بينهما مخاصمة وما بغى أحدهما على الآخر كان قولهما خصمان بغى بعضنا على بعض كذباً فهذه الرواية لا تتم إلا بشيئين أحدهما إسناد الكذب إلى الملائكة والثاني أن يتوسل بإسناد الكذب إلى الملائكة إلى إسناد أفحش القبائح إلى رجل كبير من أكابر الأنبياء فأما إذا حملنا الآية على ما ذكرنا استغنينا عن إسناد الكذب إلى الملائكة وعن إسناد القبيح إلى الأنبياء فكان قولنا أولى فهذا ما عندنا في هذا الباب والله أعلم بأسرار كلامه ونرجع الآن إلى تفسير الآيات أما قوله وَهَلْ أَتَاكَ نَبَؤُا الْخَصْمِ قال الواحدي الخصم مصدر خصمته أخصمه خصماً ثم يسمى به الإثنان والجمع ولا يثنى ولا يجمع يقال هما خصم وهم خصم كما يقال هما عدل وهم عدل والمعنى ذوا خصم وذوو خصم وأريد بالخصم ههنا الشخصان اللذان دخلا على داود عليه السلام وقوله تعالى إِذْ تَسَوَّرُواْ الْمِحْرَابَ يقال تسورت السور تسوراً إذا علوته ومعنى تَسَوَّرُواْ الْمِحْرَابَ أي أتوه من سوره وهو أعلاه يقال تسور فلان الدار إذا أتاها من قبل سورها وأما المحراب فالمراد منه البيت الذي كان داود يدخل فيه ويشتغل بطاعة ربه وسمي ذلك البيت المحراب لاشتماله على المحراب كما يسمى الشيء بأشرف أجزائه وههنا مسألة من علم أصول الفقه وهي أن أقل الجمع اثنان عند بعض الناس وهؤلاء تمسكوا بهذه الآية لأنه تعالى ذكر صيغة الجمع في هذه الآيات في أربعة مواضع أحدهما قوله تعالى إِذْ تَسَوَّرُواْ الْمِحْرَابَ ( ص ٢١ ) وثانيها قوله إِذْ دَخَلُواْ وثالثها قوله مِنْهُمْ ورابعها قوله قَالُواْ لاَ تَخَفْ فهذه الألفاظ الأربعة لها صيغ الجمع وهم كانوا اثنين بدليل أنهم قالوا خصمان قالوا فهذه الآية تدل على أن أقل اسماً فإنه لا يثنى ولا يجمع ثم قال تعالى إِذْ دَخَلُواْ عَلَى دَاوُودُ والفائدة فيه أنهم ربما تسوروا المحراب وما دخلوا عليه فلما قال إِذْ دَخَلُواْ عَلَيْهِ دل على أنهم بعد التسور دخلوا عليه قال الفراء وقد يجاء بإذ مرتين ويكون معناهما كالواحد كقولك ضربتك إذ دخلت علي إذ اجترأت مع أنه يكون وقت الدخول ووقت الاجتراء واحداً ثم قال تعالى فَفَزِعَ مِنْهُمْ والسبب أن داود عليه السلام لما رآهما قد دخلوا عليه لا من الطريق المعتاد علم أنهم إنما دخلوا عليه للشر فلا جرم فزع منهم ثم قال تعالى قَالُواْ لاَ تَخَفْ خَصْمَانِ بَغَى بَعْضُنَا عَلَى بَعْضٍ وفيه مسائل
المسألة الأولى خصمان خبر مبتدأ محذوف أي نحن خصمان
المسألة الثانية ههنا قولان الأول أنهما كانا ملكين نزلا من السماء وأراد تنبيه داود عليه السلام على قبح العمل الذي أقدم عليه والثاني أنهما كانا إنسانين دخلا عليه للشر والقتل فظنا أنهما يجدانه خالياً فلما رأيا عنده جماعة من الخدم اختلقا ذلك الكذب لدفع الشر وأما المنكرونت لكونهما ملكين فقد احتجوا عليه بأنهما لو كانا ملكين لكانا كاذبين في قولهما خَصْمَانِ فإنه ليس بين الملائكة خصومة ولكانا كاذبين في قولهما بَغَى بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ ولكانا كاذبين في قولهما إِنَّ هَذَا أَخِى لَهُ تِسْعٌ وَتِسْعُونَ نَعْجَة ً فثبت أنهما لو كانا مليكين كاذبين والكذب على الملك غير جائز لقوله تعالى لاَ يَسْبِقُونَهُ بِالْقَوْلِ ( الأنبياء ٢٧ ) ولقوله وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ ( النخل ٥٠ ) أجاب الذاهبون إلى القول الأول عن هذا الكلام بأن قالوا إن الملكين إنما ذكرا هذا الكلام على سبيل ضرب المثل لا على سبيل التحقيق فلم يلزم الكذب وأجيب


الصفحة التالية
Icon