عن هذا الجواب بأن ما ذكرتم يقتضي العدول عن ظاهر اللفظ ومعلوم أنه على خلاف الأصل أما إذا حملنا الكلام على أن الخصمين كانا رجلين دخلا عليه لغرض الشر ثم وضعا هذا الحديث الباطل فحينئذٍ لزم إسناد الكذب إلى شخصين فاسقين فكان هذا أولى من القول الأول والله أعلم وأما القائلون بكونهما ملكين فقد احتجا بوجوه الأول اتفاق أكثر المفسرين عليه والثاني أنه أرفع منزلة من أن يتسور عليه آحاد الرعية في حال تعبده فيجب أن يكون ذلك من الملائكة الثالث أن قوله تعالى قَالُواْ لاَ تَخَفْ كالدلالة على كونهما ملكين لأن من هو من رعيته لا يكاد يقول له مثل ذلك مع رفعة منزلته الرابع أن قولهما وَلاَ تُشْطِطْ كالدلالة على كونهما ملكين لأن أحداً من رعيته لا يتجاسر أن يقول له تظلم ولا تتجاوز عن الحق واعلم أن ضعف هذه الدلائل ظاهر ولا حاجة إلى الجواب والله أعلم
المسألة الثالثة بَغَى بَعْضُنَا عَلَى بَعْضٍ أي تعدى وخرج عن الحد يقال بغى الجرح إذا أفرط وجعه وانتهى إلى الغاية يوقال بغت المرأة إذا زنت لأن الزنا كبيرة منكرة قال تعالى وَلاَ تُكْرِهُواْ فَتَيَاتِكُمْ عَلَى الْبِغَاء ( النور ٣٣ ) ثم قال فَاحْكُمْ بَيْنَنَا بِالْحَقّ معنى الحكم إحكام الأمر في آمضاء تكليف الله عليهما في الواقعة ومنه حكمة الدابة لأنها تمنع من الجماح ومنه بناء محكم إذا كان قوياً وقوله بِالْحَقّ أي بالحكم الحق وهو الذي حكم الله به وَلاَ تُشْطِطْ يقال شط الرجل إذا بعد ومنه قوله شطت الدار إذا بعدت قال تعالى لَّقَدْ قُلْنَا إِذًا شَطَطًا ( الكهف ١٤ ) أي قولاً بعيداً عن الحق فقوله وَلاَ تُشْطِطْ أي لا تبعد في هذا الحكم عن الحق ثم قال وَاهْدِنَا إِلَى سَوَاء الصّراطِ وسواء الصراط هو وسطه قال تعالى فَاطَّلَعَ فَرَءاهُ فِى سَوَاء الْجَحِيمِ ( الصافات ٥٥ ) ووسط الشيء أفضله وأعدله قال تعالى وَكَذالِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّة ً وَسَطًا ( البقرة ١٤٣ ) وأقول إنهم عبروا عن المقصود الواحد بثلاث عبارات أولها قولهم فاحكم بالحق وثانيها قولهم وَلاَ تُشْطِطْ وهي نهي عن الباطل وثالثها قولهم وَاهْدِنَا إِلَى سَوَاء الصّراطِ يعنى يجب أن يكون سعيك في إيجاد هذا الحق وفي الاحتراز عن هذا الباطل أن تردنا من الطريق الباطل إلى الطريق الحق وهذا مبالغة تامة في تقرير المطلوب واعلم أنهم لما أخبروا عن وقوع الخصومة على سبيل الإجمال أردفوه ببيان سبب تلك الخصومة على سبيل التفصيل فقال إِنَّ هَذَا أَخِى لَهُ تِسْعٌ وَتِسْعُونَ نَعْجَة ً وفيه مسائل
المسألة الأولى قال صحاب ( الكشاف ) أَخِى يدل من هذا أو خبر لقوله ءانٍ والمراد أخوة الدين أو أخوة الصداقة والألفة أو أخوة الشركة والخلطة لقوله تعالى وَإِنَّ كَثِيراً مّنَ الْخُلَطَاء وكل واحدة من هذه الأخوات توجب الامتناع من الظلم والاعتداء
المسألة الثانية قال صاحب ( الكشاف ) قرىء تِسْعٌ وَتِسْعُونَ بفتح التاء ونعجة بكسر النون وهذا من اختلاف اللغات نحو نطع ونطع ولقوة وهي الأنثى من العقبان
المسألة الثالثة قال الليث النعجة الأنثى من الضأن والبقرة الوحشية والشاة الجبلية والجمع النعجات والعرب جرت عادتهم بجعل النعجة والظبية كناية عن المرأة
المسألة الرابعة قرأ عبد الله تِسْعٌ وَتِسْعُونَ نَعْجَة ً أُنثَى وهذا يكون لأجل التأكيد كقوله تعالى وَقَالَ اللَّهُ لاَ تَتَّخِذُواْ إِلَيْهِنَّ اثْنَيْنِ إِنَّمَا هُوَ إِلاهٌ وَاحِدٌ ( النحل ٥١ ) ثم قال أَكْفِلْنِيهَا وَعَزَّنِى فِى الْخِطَابِ قال


الصفحة التالية
Icon