ظاهره وباطنه ورد عليه أهله وماله
والقول الثاني أن الشيطان لا قدرة له ألبتة على إيقاع الناس في الأمراض والآلام والدليل عليه وجوه الأول أنا لو جوزنا حصول الموت والحياة والصحة والمرض من الشيطان فلعل الواحد منا إنما وجد الحياة بفعل الشيطان ولعل كل ما حصل عندنا من الخيرات والسعادات فقد حصل بفعل الشيطان وحينئذٍ لا يكون لنا سبيل إلى أن نعرف أن معطي الحياة والموت والصحة والسقم هو الله تعالى الثاني أن الشيطان لو قدر على ذلك فلم لا يسعى في قتل الأنبياء والأولياء ولم لا يخرب دورهم ولم لا يقتل أولادكم الثالث أنه تعالى حكى عن الشيطان أنه قال وَمَا كَانَ لِى َ عَلَيْكُمْ مّن سُلْطَانٍ إِلاَّ أَن دَعَوْتُكُمْ فَاسْتَجَبْتُمْ لِى ( إبراهيم ٢٢ ) فصرح بأنه لا قدرة له في حق البشر إلا على إلقاء الوساوس والخواطر الفاسدة وذلك يدل على قول من يقول إن الشيطان هو الذي ألقاه في تلك الأمراض والآفات فإن قال قائل لم لا يجوز أن يقال إن الفاعل لهذه الأحوال هو الله تعالى لكن على وفق التماس الشيطان قلنا فإذا كان لا بد من الاعتراف بأن خالق تلك الآلام والأسقام هو الله تعالى فأي فائدة في جعل الشيطان واسطة في ذلك بل الحق أن المراد من قوله أَنّى مَسَّنِى َ الشَّيْطَانُ بِنُصْبٍ وَعَذَابٍ أنه بسبب إلقاء الوساوس الفاسدة والخواطر الباطنة كان يلقيه في أنواع العذاب والعناء ثم القائلون بهذا القول اختلفوا في أن تلك الوساوس كيف كانت وذكروا فيه وجوهاً الأول أن علته كانت شديدة الألم ثم طالت مدة تلك العلة واستقذره الناس ونفروا عن مجاورته ولم يبق له شيء من الأموال ألبتة وامرأته كانت تخدم الناس وتحصل له قدر القوت ثم بلغت نفرة الناس عنه إلى أن منعوا امرأته من الدخول عليهم ومن الاشتغال بخدمتهم والشيطان كان يذكره النعم التي كانت والآفات التي حصلت وكان يحتال في دفع تلك الوساوس فلما قويت تلك الوساوس في قلبه خاف وتضرع إلى الله وقال أَنّى مَسَّنِى َ الشَّيْطَانُ بِنُصْبٍ وَعَذَابٍ لأنه كلما كانت تلك الخواطر أكثر كان ألم قلبه منها أشد الثاني أنها لما طالت مدة المرض جاءه الشيطان وكان يقنطه من ربه ويزين له أن يجزع فخاف من تأكد خاطر القنوط في قلبه فتضرع إلى الله تعالى وقال أَنّى مَسَّنِى َ الشَّيْطَانُ الثالث قيل إن الشيطان لما قال لامرأته لو أطاعني زوجك أزلت عنه هذه الآفات فذكرت المرأة له ذلك فغلب على ظنه أن الشيطان طمع في دينه فشق ذلك عليه فتضرع إلى الله تعالى وقال أَنّى مَسَّنِى َ الشَّيْطَانُ بِنُصْبٍ وَعَذَابٍ الرابع روي عن النبي ( ﷺ ) ( أنه بقي أيوب في البلاء ثمان عشرة سنة حتى رفضه القريب والبعيد إلا رجلين ثم قال أحدهما لصاحبه لقد أذنب أيوب ذنباً ما أتى به أحد من العالمين ولولاه ما وقع في مثل هذا البلاء فذكروا ذلك لأيوب عليه السلام فقال لا أدري ما تقولان غير أن الله يعلم أني كنت أمر على الرجلين يتنازعان فيذكران الله تعالى فأرجع إلى بيتي فأنفر عنهما كراهية أن يذكر الله تعالى إلا في الحق ) الخامس قيل إن امرأته كانت تخدم الناس فتأخذ منهم قدر القوت وتجيء به إلى أيوب فاتفق أنهم ما استخدموها ألبتة وطلب بعض النساء منها قطع إحدى ذؤابتيها على أن تعطيها قدر القوت ففعلت ثم في اليوم الثاني ففعلت مثل ذلك فلم يبق لها ذؤابة وكان أيوب عليه السلام إذا أراد أن يتحرك على فراشه تعلق بتلك الذؤابة فلما لم يجد الذؤابة وقعت الخواطر المؤذية في قلبه واشتد غمه فعند ذلك قال أَنّى مَسَّنِى َ الشَّيْطَانُ بِنُصْبٍ وَعَذَابٍ السادس قال في بعض الأيام يا رب لقد علمت ما اجتمع علي أمران إلا آثرت


الصفحة التالية
Icon