طاعتك ولما أعطيتني المال كنت للأرامل قيماً ولابن السبيل معيناً ولليتامى أباً فنودي من غمامة يا أيوب ممن كان ذلك التوفيق فأخذ أيوب التراب ووضعه على رأسه وقال منك يا رب ثم خاف من الخاطر الأول فقال مَسَّنِى َ الشَّيْطَانُ بِنُصْبٍ وَعَذَابٍ وقد ذكروا أقوالاً أخرى والله أعلم بحقيقة الحال وسمعت بعض اليهود يقول إن لموسى بن عمران عليه السلام كتاباً مفرداً في واقعة أيوب وحاصل ذلك الكتاب أن أيوب كان رجلاً كثير الطاعة لله تعالى مواظباً على العبادة مبالغاً في التعظيم لأمر الله تعالى والشفقة على خلق الله ثم إنه وقع في البلادء الشديد والعناء العظيم فهل كان ذلك لحكمة أم لا فإن كان ذلك لحكمة فمن المعلوم أنه ما أتى بجرم في الزمان السابق حتى يجعل ذلك العذاب في مقابلة ذلك الجرم وإن كان ذلك لكثرة الثواب فالإله الحكيم الرحيم قادر على إيصال كل خير ومنفعة إليه من غير توسط تلك الآلام الطويلة والأسقام الكريهة وحينئذٍ لا يبقى في تلك الأمراض والآفات فائدة وهذه كلمات ظاهرة جلية وهي دالة على أن أفعال ذي الجلال منزهة عن التعليل بالمصالح والمفاسد والحق الصريح أنه لاَ يُسْأَلُ عَمَّا يَفْعَلُ وَهُمْ يُسْئَلُونَ ( الأنبياء ٢٣ )
المسألة الثالثة لفظ الآية يدل على أن ذلك النصب والعذاب إنما حصل من الشيطان ثم ذلك العذاب على القول الأول عبارة عما حصل في بدنه من الأمراض وعلى القول الثاني عبارة عن الأحزان الحاصلة في قلبه بسبب إلقاء الوساوس وعلى التقديرين فيلزم إثبات الفعل للشيطان وأجاب أصحابنا رحمهم الله بأنا لا ننكر إثبات الفعل للشيطان لكنا نقول فعل العبد مخلوق لله تعالى على التفصيل المعلوم
أما قوله تعالى ارْكُضْ بِرِجْلِكَ فالمعنى أنه لما شكى من الشيطان فكأنه سأل ربه أن يزيل عنه تلك البلية فأجابه الله إليه بأن قال له ارْكُضْ بِرِجْلِكَ والركض هو الدفع القوي بالرجل ومنه ركضك الفرس والتقدير قلنا له اركض برجلك قيل إنه ضرب رجله تلك الأرض فنبعت عين فقيل هَاذَا مُغْتَسَلٌ بَارِدٌ وَشَرَابٌ أي هذا ماء تغتسل به فيبرأ باطنك وظاهر اللفظ يدل على أنه نبعت له عين واحدة من الماء اغتسل فيه وشرب منه والمفسرون قالوا نبعت له عينان فاغتسل من إحداهما وشرب من الأخرى فذهب الداء من ظاهره ومن باطنه بإذن الله وقيل ضرب برجله اليمنى فنبعت عين حارة فاغتسل منها ثم باليسرى فنبعت عين باردة فشرب منها
ثم قال تعالى وَوَهَبْنَا لَهُ أَهْلَهُ فقد قيل هم عين أهله وزيادة مثلهم وقيل غيرهم مثلهم والأول أولى لأنه هو الظاهر فلا يجوز العدول عنه من غير ضرورة ثم اختلفوا فقال بعضهم معناه أزلنا عنهم السقم فعادوا أصحاء وقال بعضهم بل حضروا عنده بعد أن غابوا عنه واجتمعوا بعد أن تفرقوا وقال بعضهم بل تمكن منهم وتمكنوا منه فيما يتصل بالعشرة وبالخدمة
أما قوله وَمِثْلَهُمْ مَّعَهُمْ فالأقرب أنه تعالى متعه بحصته وبماله وقواه حتى كثر نسله وصار أهله ضعف ما كان وأضعاف ذلك وقال الحسن رحمه الله المراد بهبة الأهل أنه تعالى أحياهم بعد أن هلكوا
ثم قال رَحْمَة ً مّنَّا أي إنما فعلنا كل هذه الأفعال على سبيل الفضل والرحمة لا على سبيل اللزوم
ثم قال وَذِكْرَى لاِوْلِى الاْلْبَابِ يعني سلطناً البلاء عليه أولاً فصبر ثم أزلنا عنه البلاء وأوصلناه إلى


الصفحة التالية
Icon