فبين بهذا أن عمود الخيمة لا ينتفع به إلا مع الطنب حتى يمكن الانتفاع بالخيمة قال القاضي فأما ما يروي أنه ( ﷺ ) قال لمعاذ وأبي الدرادء ( وإن زني وإن سرق على رغم أنف أبي الدرداء ) فإن صح فإنه يجب أن يحمل عليه بشرط التوبة وإلا لم يجز قبول هذا الخبر لأنه مخالف للقرآن ولأنه يوجب أن لا يكون الإنسان مزجوراً عن الزنا والسرقة وأن لا يكون متعدياً بفعلهما لأنه مع شدة شهوته للقبيح يعلم أنه لا يضره مع تمسكه بالشهادتين فكأن ذلك إغراء بالقبيح لأنا نقول إن من اعتقد أن ضرره يزول بالتوبة فقد اعتقد أن فعل القبيح مضرة إلا أنه يزيل ذلك الضرر بفعل التوبة بخلاف قول من يقول إن فعل القبيح لا يضر مع التمسك بالشهادتين هذا تمام كلام القاضي فيقال له أما قولك إن القول بالمغفرة مخالف للقرآن فليس كذلك بل للقرآن يدل عليه قال تعالى إِنَّ اللَّهَ لاَ يَغْفِرُ أَن يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَن يَشَاء ( النساء ٤٨ ) وقال وَإِنَّ رَبَّكَ لَذُو مَغْفِرَة ٍ لّلنَّاسِ عَلَى ظُلْمِهِمْ ( الرعد ٦ ) أي حال ظلمهم كما يقال رأيت الأمير على أكله وشربه أي حال كونه آكلاً وشارباً وقال قُلْ ياعِبَادِى َ الَّذِينَ أَسْرَفُواْ عَلَى أَنفُسِهِمْ لاَ تَقْنَطُواْ مِن رَّحْمَة ِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعاً ( الزمر ٥٣ ) وأما قوله إن ذلك يوجب الإغراء بالقبيح فيقال له إن كان الأمر كذلك وجب أن يقبح غفرانه عقلاً وأيضاً فيلزم عليه أن لا يحصل الغفران بالتوبة لأنه إذا علم أنه إذا أذنب ثم تاب غفر الله له لم ينزجر وأما الفرق الذي ذكره القاضي فبعيد لأنه إذا عزم على أن يتوب عنه في الحال علم أنه لا يضره ذلك الذنب ألبتة ثم نقول مذهبنا أنا نقطع بحصول العفو عن الكبائر في الجملة فأما في حق كل واحد من الناس فذلك مشكوك فيه لأنه تعالى قال وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَن يَشَاء فقطع بحصول المغفرة في الجملة إلا أنه سبحانه وتعالى لم يقطع بحصول هذا الغفران في حق كل أحد بل في حق من شاء وإذا كان كذلك كان الخوف حاصلاً فلا يكون الإغراء حاصلاً والله أعلم
المسألة الثالثة قال صاحب الكشاف ) قريء الدين بالرفع ثم قال وحق من رفعه أن يقرأ مخلصاً بفتح اللام لقوله تعالى وَأَخْلَصُواْ دِينَهُمْ للَّهِ ( النساء ١٤٦ ) حتى يطابق قوله أَلاَ لِلَّهِ الدّينُ الْخَالِصُ والخالص واحد إلا أنه وصف الدين بصفة صاحبه على الإسناد المجازي كقولهم شعر شاعر واعلم أنه تعالى لما بين أن رأس العبادات ورئيسها الإخلاص في التوحيد أردفه بذم طريقة المشركين فقال وَالَّذِينَ اتَّخَذُواْ مِن دُونِهِ أَوْلِيَاء مَا نَعْبُدُهُمْ إِلاَّ لِيُقَرّبُونَا إِلَى اللَّهِ زُلْفَى وتقدير الكلام والذين اتخذوا من دونه أولياء يقولون ما نعبدهم إلا ليقربونا إلى الله زلفى وعلى هذا التقدير فخبر الذين محذوف وهو قوله يقولون واعلم أن الضمير في قوله مَا نَعْبُدُهُمْ إِلاَّ لِيُقَرّبُونَا إِلَى اللَّهِ زُلْفَى عائد على الأشياء التي عبدت من دون الله وهي قسمان العقلاء وغير العقلاء أما العقلاء فهو أن قوماً عبدوا المسيح وعزيزاً والملائكة وكثير من الناس يعبدون الشمس والقمر والنجوم ويعتقدون فيها أنها أحياء عاقلة ناطقة وأما الأشياء التي عبدت مع أنها ليست موصوفة بالحياة والعقل فهي الأصنام إذا عرفت هذا فنقول الكلام الذي ذكره الكفار لائق بالعقلاء أما بغير العقلاء فلا يليق وبيانه من وجهين الأول أن الضمير في قوله مَا نَعْبُدُهُمْ ضمير للعقلاء فلا يليق بالأصنام الثاني أنه لا يبعد أن يعتقد أولئك الكفار أنها تقربه إلى الله وعلى هذا التقدير فمرادهم أن


الصفحة التالية
Icon