وفيه مسائل
المسألة الأولى اعلم أنه تعالى لما بالغ في تقرير البيانات الدالة على وجوب الإقبال على طاعة الله تعالى ووجوب الإعراض عن الدنيا بين بعد ذلك أن الانتفاع بهذه البيانات لا يكمل إلا إذا شرح الله الصدور ونور القلوب فقال أَفَمَن شَرَحَ اللَّهُ صَدْرَهُ لِلإِسْلَامِ فَهُوَ عَلَى نُورٍ مّن رَّبّهِ
واعلم أنا بالغنا في سورة الأنعام في تفسير قوله فَمَن يُرِدِ اللَّهُ أَن يَهْدِيَهُ يَشْرَحْ صَدْرَهُ لِلإِسْلَامِ ( الأنعام ١٢٥ ) في تفسير شرح الصدر وفي تفسير الهداية ولا بأس بإعادة كلام قليل ههنا فنقول إنه تعالى خلق جواهر النفوس مختلفة بالماهية فبعضها خيرة نورانية شريفة مائلة إلى الإلهيات عظيمة الرغبة في الاتصال بالروحانيات وبعضها نذلة كدرة خسيسة مائلة إلى الجسمانيات وفي هذا التفاوت أمر حاصل في جواهر النفوس البشرية والاستقراء يدل على أن الأمر كذلك إذا عرفت هذا فنقول المراد بشرح الصدر هو ذلك الاستعداد الشديد الموجود في فطرة النفس وإذا كان ذلك الاستعداد الشديد حاصلاً كفى خروج تلك الحالة من القوة إلى الفعل بأدنى سبب مثل الكبريت الذي يشتعل بأدنى نار أما إذا كانت النفس بعيدة عن قبول هذه الجلايا القدسية والأحوال الروحانية بل كانت مستغرقة في طلب الجسمانيات قليلة التأثر عن الأحوال المناسبة للالهيات فكانت قاسية كدرة ظلمانية وكلما كان إيراد الدلائل اليقينية والبراهين الباهرة عليها أكثر كانت قسوتها وظلمتها أقل إذا عرفت هذه القاعدة فنقول أما شرح الصدر فهو ما ذكرناه وأما النور فهو عبارة عن الهداية والمعرفة وما لم يحصل شرح الصدر أولا لم يحصل النور ثانياً وإذا كان الحاصل هو القوة النفسانية لم يحصل الانتفاع ألبتة بسماع الدلائل وربما صار سماع الدلائل سبباً لزيادة القسوة ولشدة النفرة فهذه أصول يقينية يجب أن تكون معلومة عند الإنسان حتى يمكنه الوقوف على معاني هذه الآيات أما استدلال أصحابنا في مسألة الجبر والقدر وكلام الخصوم عليه فقد تقدم هناك والله أعلم
المسألة الثانية من محذوف الخبر كما في قوله أَمَّنْ هُوَ قَانِتٌ ( الزمر ٩ ) والتقدير أفمن شرح الله صدره للإسلام فاهتدى كمن طبع على قلبه فلم يهتد لقسوته والجواب متروك لأن الكلام المذكور دل عليه وهو قوله تعالى فَوَيْلٌ لّلْقَاسِيَة ِ قُلُوبُهُمْ مّن ذِكْرِ اللَّهِ


الصفحة التالية
Icon