( الزمر ٧٥ ) ومنها خزنة النار قال تعالى عَلَيْهَا مَلَئِكَة ٌ غِلاَظٌ شِدَادٌ ( التحريم ٦ ) ومنها الكرام الكاتبون قال وَإِنَّ عَلَيْكُمْ لَحَافِظِينَ كِرَاماً كَاتِبِينَ ( الانفطار ١٠ ١١ ) ومنها المعقبات قال تعالى لَهُ مُعَقّبَاتٌ مّن بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ ( الرعد ١١ ) وقد يتصل بأحوال الملائكة أحوال الجن والشياطين
وأما القسم الثالث من الأصول المعتبرة في الإيمان معرفة الكتب والقرآن يشتمل على شرح أحوال كتاب آدم عليه السلام قال تعالى فَتَلَقَّى ءادَمُ مِن رَّبِّهِ كَلِمَاتٍ ( البقرة ٣٧ ) ومنها أحوال صحف إبراهيم عليه السلام قال تعالى وَإِذِ ابْتَلَى إِبْراهِيمَ رَبُّهُ بِكَلِمَاتٍ فَأَتَمَّهُنَّ ( البقرة ١٢٤ ) ومنها أحوال التوراة والإنجيل والزبور
وأما القسم الرابع من الأصول المعتبرة في الإيمان معرفة الرسل والله تعالى قد شرح أحوال البعض وأبهم أحوال الباقين قال مِنْهُم مَّن قَصَصْنَا عَلَيْكَ وَمِنْهُمْ مَّن لَّمْ نَقْصُصْ عَلَيْكَ ( غافر ٧٨ )
القسم الخامس ما يتعلق بأحوال المكلفين وهي على نوعين الأول أن يقروا بوجوب هذه التكاليف عليهم وهو المراد من قوله وَقَالُواْ سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا الثاني أن يعترفوا بصدور التقصير عنهم في تلك الأعمال ثم طلبوا المغفرة وهو المراد من قوله غُفْرَانَكَ رَبَّنَا ثم لما كانت مقادير رؤية التقصير في مواقف العبودية بحسب المكاشفات في مطالعة عزة الربوبية أكثر كانت المكاشفات في تقصير العبودية أكثر وكان قوله غُفْرَانَكَ رَبَّنَا أكثر
القسم السادس معرفة المعاد والبعث والقيامة وهو المراد من قوله وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ ( البقرة ٢٨٥ ) وهذا هو الإشارة إلى معرفة المطالب المهمة في طلب الدين والقرآن بحر لا نهاية له في تقرير هذه المطالب وتعريفها وشرحها ولا ترى في مشارق الأرض ومغاربها كتاباً يشتمل على جملة هذه العلوم كما يشتمل القرآن عليها ومن تأمل في هذا التفسير علم أنا لم نذكر من بحار فضائل القرآن إلا قطرة ولما كان الأمر على هذه الجملة لا جرم مدح الله عز وجل القرآن فقال تعالى اللَّهُ نَزَّلَ أَحْسَنَ الْحَدِيثِ ( الزمر ٢٣ ) والله أعلم
الصفة الثانية من صفات القرآن قوله تعالى كِتَاباً مُّتَشَابِهاً ( الزمر ٢٣ ) أما الكتاب فقد فسرناه في قوله تعالى ذالِكَ الْكِتَابُ لاَ رَيْبَ فِيهِ ( البقرة ٢ ) وأما كونه متشابهاً فاعلم أن هذه الآية تدل على أن القرآن كله متشابه وقوله هُوَ الَّذِى أَنزَلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ مِنْهُ آيَاتٌ مُّحْكَمَاتٌ هُنَّ أُمُّ الْكِتَابِ وَأُخَرُ مُتَشَابِهَاتٌ ( آل عمران ٧ ) يدل على كون البعض متشابهاً دون البعض وأما كونه كله متشابهاً كما في هذه الآية فقال ابن عباس معناه أنه يشبه بعضه بعضاً وأقول هذا التشابه يحصل في أمور أحدها أن الكاتب البليغ إذا كتب كتاباً طويلاً فإنه يكون بعض كلماته فصيحاً ويكون البعض غير فصيح والقرآن يخالف ذلك فإنه فصيح كامل الفصاحة بجميع أجزائه وثانيها أن الفصيح إذا كتب كتاباً في واقعة بألفاظ فصيحة فلو كتب كتاباً آخر في غير تلك الواقعة كان الغالب أن كلامه في الكتاب الثاني غير كلامه في الكتاب الأول والله تعالى حكى قصة موسى عليه السلام في مواضع كثيرة من القرآن وكلها متساوية متشابهة في الفصاحة وثالثها أن كل ما فيه من الآيات والبيانات فإنه يقوي بعضها بعضاً ويؤكد بعضها بعضاً ورابعها أن هذه الأنواع الكثيرة من العلوم التي عددناها متشابهة متشاركة في أن المقصود منها بأسرها الدعوة إلى الدين وتقرير عظمة الله ولذلك فإنك لا ترى قصة من القصص إلا ويكون محصلها المقصود الذي ذكرناه فهذا هو المراد من كونه متشابهاً والله الهادي


الصفحة التالية
Icon