المسألة الأولى اعلم أن النبي ( ﷺ ) كان يعظم عليه إصرارهم على الكفر كما قال فَلَعَلَّكَ بَاخِعٌ نَّفْسَكَ عَلَى ءاثَارِهِمْ إِن لَّمْ يُؤْمِنُواْ ( الكهف ٦ ) وقال لَعَلَّكَ بَاخِعٌ نَّفْسَكَ أَلاَّ يَكُونُواْ مُؤْمِنِينَ ( الشعراء ٣ ) وقال تعالى فَلاَ تَذْهَبْ نَفْسُكَ عَلَيْهِمْ حَسَراتٍ ( فاطر ٨ ) فلما أطنب الله تعالى في هذه الآية في فساد مذاهب المشركين تارة بالدلائل والبينات وتارة بضرب الأمثال وتارة بذكر الوعد والوعيد أردفه بكلام يزيل ذلك الخوف العظيم عن قلب الرسول ( ﷺ ) فقال إِنَّا أَنزَلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ الكامل الشريف لنفع الناس ولاهتدائهم به وجعلنا إنزاله مقروناً بالحق وهو المعجز الذي يدل على أنه من عند الله فمن اهتدى فنفعه يعود إليه ومن ضل فضير ضلاله يعود إليه وَمَا أَنتَ عَلَيْهِم بِوَكِيلٍ والمعنى أنك لست مأموراً بأن تحملهم على الإيمان على سبيل القهر بل القبول وعدمه مفوض إليهم وذلك لتسلية الرسول في إصرارهم على الكفر ثم بين تعالى أن الهداية والضلال لا يحصلان إلا من الله تعالى وذلك لأن الهداية تشبه الحياة واليقظة والضلال يشبه الموت والنوم وكما أن الحياة واليقظة وكذلك الموت والنوم لا يحصلان إلا بتخليق الله عز وجل وإيجاده فكذلك الهداية والضلال لا يحصلان إلا من الله تعالى ومن عرف هذه الدقيقة فقد عرف سر الله تعالى في القدر ومن عرف سر الله في القدر هانت عليه المصائب فيصير التنبيه على هذه الدقيقة سبباً لزوال ذلك الحزن عن قلب الرسول ( ﷺ ) فهذا وجه النظم في الآية وقيل نظم الآية أنه تعالى ذكر حجة أخرى في إثبات أنه الإله العالم ليدل على أنه بالعبادة أحق من هذه الأصنام
المسألة الثانية المقصود من الآية أنه تعالى يتوفى الأنفس عند الموت وعند النوم إلا أنه يمسك الأنفس التي قضى عليها الموت ويرسل الأخرى وهي النائمة إلى أجل مسمى أي إلى وقت ضربه لموتها فقوله تعالى اللَّهُ يَتَوَفَّى الاْنفُسَ حِينَ مِوْتِهَا يعني أنه تعالى يتوفى الأنفس التي يتوفاها عند الموت يمسكها ولا يردها إلى البدن وقوله وَيُرْسِلُ الاْخْرَى إِلَى أَجَلٍ مُّسَمًّى يعني أن النفس التي يتوفاها عند النوم يردها إلى البدن عند اليقظة وتبقى هذه الحالة إلى أجل مسمى وذلك الأجل هو وقت الموت فهذا تفسير لفظ الآية وهي مطابقة للحقيقة ولكن لا بد فيه من مزيد بيان فنقول النفس الإنسانية عبارة عن جوهر مشرق روحاني إذا تعلق بالبدن حصل ضوؤه في جميع الأعضاء وهو الحياة فنقول إنه في وقت الموت ينقطع تعلقه عن ظاهر هذا البدن وعن باطنه وذلك هو الموت وأما في وقت النوم فإنه ينقطع ضوؤه عن ظاهر البدن من بعض الوجوه ولا ينقطع ضوؤه عن باطن البدن فثبت أن الموت والنوم من جنس واحد إلا أن الموت انقطاع تام كامل والنوم انقطاع ناقص من بعض الوجوه وإذا ثبت هذا ظهر أن القادر العالم الحكيم دبر تعلق جوهر النفس بالبدن على ثلاثة أوجه أحدها أن يقع ضوء النفس على جميع أجزاء البدن ظاهره وباطنه وذلك اليقظة وثانيها أن يرتفع ضوء النفس عن ظاهر البدن من بعض الوجوه دون باطنه وذلك هو النوم وثالثها أن يرتفع ضوء النفس عن البدن بالكلية وهو الموت فثبت أن الموت والنوم يشتركان في كون كل واحد منهما توفياً للنفس ثم يمتاز أحدهما عن الآخر بخواص معينة في صفات معينة ومثل هذا التدبير العجيب لا يمكن صدوره إلا عن القادر العليم الحكيم وهو المراد من قوله إِنَّ فِى ذالِكَ لآيَاتٍ لّقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ ويحتمل أن يكون المراد بهذا أن الدليل يدل على أن الواجب على العاقل أن يعبد إلهاً موصوفاً بهذه القدرة وبهذه الحكمة وأن لا يعبد الأوثان التي هي جمادات لا شعور لها ولا إدراك واعلم أن الكفار أوردوا على هذا الكلام سؤالاً فقالوا نحن لا نعبد هذه الأصنام لاعتقاد أنها


الصفحة التالية
Icon