قبل أن يبعث الله رسولاً وكذلك من خالف الأمور التي لا تفتقر إلى بيان الرسل يستحق الإهلاك من غير بعثة وليس هذا قولاً بمذهب المعتزلة من التحسين والتقبيح العقلي بل معناه أن الله تعالى لو خلق في قوم علماً بوجوب الأشياء وتركوه لا يكونون غافلين فلا يتوقف تعذيبهم على بعثة الرسل
لَقَدْ حَقَّ الْقَوْلُ عَلَى أَكْثَرِهِمْ فَهُمْ لاَ يُؤمِنُونَ
ثم قال تعالى لَقَدْ حَقَّ الْقَوْلُ عَلَى أَكْثَرِهِمْ فَهُمْ لاَ يُؤمِنُونَ
لما بين أن الإرسال أو الإنزال للإنذار أشار إلى أن النبي ( ﷺ ) ليس عليه الهداية المستلزمة للاهتداء وإنما عليه الإنذار وقد لا يؤمن من المنذرين كثير وفي قوله تعالى لَقَدْ حَقَّ الْقَوْلُ وجوه الأول وهو المشهور أن المراد من القول هو قوله تعالى حَقَّ الْقَوْلُ مِنْى لاَمْلانَّ جَهَنَّمَ مِنكَ وَمِمَّن تَبِعَكَ الثاني هو أن معناه لقد سبق في علمه أن هذا يؤمن وأن هذا لا يؤمن فقال في حق البعض أنه لا يؤمن وقال في حق غيره أنه يؤمن فَحَقَّ الْقَوْلِ أي وجد وثبت بحيث لا يبدل بغيره الثالث هو أن يقال المراد منه لقد حق القول الذي قاله الله على لسان الرسل من التوحيد وغيره وبأن برهانه فأكثرهم لا يؤمنون بعد ذلك لأن من يتوقف لاستماع الدليل في مهلة النظر يرجى منه الإيمان إذا بان له البرهان فإذا تحقق وأكد بالإيمان ولم يؤمن من أكثرهم فأكثرهم تبين أنهم لا يؤمنون لمضي وقت رجاء الإيمان ولأنهم لما لم يؤمنوا عندما حق القول واستمروا فإن كانوا يريدون شيئاً أوضح من البرهان فهو العيان وعند العيان لا يفيد الإيمان وقوله عَلَى أَكْثَرِهِمْ على هذا الوجه معناه أن من لم تبلغه الدعوة والبرهان قليلون فحق القول على أكثر من لم يوجد منه الإيمان وعلى الأول والثاني ظاهر فإن أكثر الكفار ماتوا على الكفر ولم يؤمنوا وَفِيهِ وَجْهِ وهو أن يقال لقد حقت كلمة العذاب العاجل على أكثرهم فهم لا يؤمنون وهو قريب من الأول
إِنَّا جَعَلْنَا فِى أَعْناقِهِمْ أَغْلَالاً فَهِى َ إِلَى الاٌّ ذْقَانِ فَهُم مُّقْمَحُونَ
ثم قال تعالى إِنَّا جَعَلْنَا فِى أَعْناقِهِمْ أَغْلَالاً فَهِى َ إِلَى الاْذْقَانِ فَهُم مُّقْمَحُونَ
لما بين أنهم لا يؤمنون بين أن ذلك من الله فقال إِنَّا جَعَلْنَا وفيه وجوه أحدها أن المراد إنا جعلناهم ممسكين لا ينفقون في سبيل الله كما قال تعالى وَلاَ تَجْعَلْ يَدَكَ مَغْلُولَة ً إِلَى عُنُقِكَ والثاني أن الآية نزلت في أبي جهل وصاحبيه المخزوميين حيث حلف أبو جهل أنه يرضخ رأس محمد فرآه ساجداً فأخذ صخرة ورفعها ليرسلها على رأسه فالتزقت بيده ويده بعنقه والثالث وهو الأقوى وأشد مناسبة لما تقدم وهو أن ذلك كناية عن منع الله إياهم عن الاهتداء وفيه مسائل
المسألة الأولى هل للوجهين الأولين مناسبة مع ما تقدم من الكلام نقول الوجه الأول له مناسبة وهي أن قوله تعالى فَهُمْ لاَ يُؤْمِنُونَ يدخل فيه أنهم لا يصلون كما قال تعالى وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُضِيعَ إِيمَانَكُمْ أي صلاتكم عند بعض المفسرين والزكاة مناسبة للصلاة على ما بينا فكأنه قال لا يصلون ولا يزكون وأما على الوجه الثاني فمناسبة خفية وهي أنه لما قال لَقَدْ حَقَّ الْقَوْلُ عَلَى أَكْثَرِهِمْ وذكرنا أن


الصفحة التالية
Icon