المراد به البرهان قال بعد ذلك بل عاينوا وأبصروا ما يقرب من الضرورة حيث التزقت يده بعنقه ومنع من إرسال الحجر وهو يضطر إلى الإيمان ولم يؤمن علم أنه لا يؤمن أصلاً والتفسير هو الوجه الثالث
المسألة الثانية قوله فَهِى َ راجعة إلى ماذا نقول فيها وجان أحدهما أنها راجعة إلى الأيدي وإن كانت غير مذكورة ولكنها معلومة لأن المغلول تكون أيديه مجموعة في الغل إلى عنقه وثانيهما وهو ما اختاره الزمخشري أنها راجعة إلى الأغلال معناه إنا جعلنا في أعناقهم أغلالاً ثقالاً غلاظاً بحيث تبلغ إلى الأذقان فلم يتمكن المغلول معها من أن يطأطىء رأسه
المسألة الثالثة كيف يفهم من الغل في العنق المنع من الإيمان حتى يجعل كناية فنقول المغلول الذي بلغ الغل إلى ذقنه وبقي مقمحاً رافع الرأس لا يبصر الطريق الذي عند قدمه وذكر بعده أن بين يديه سداً ومن خلفه سداً فهو لا يقدر على انتهاج السبيل ورؤيته وقد ذكر من قبل أن المرسل على صراط مستقيم فهذا الذي يهيده النبي إلى الصراط المستقيم العقلي جعل ممنوعاً كالمغلول الذي يجعل ممنوعاً من إبصار الطريق الحسي ويحتمل وجهاً آخر وهو أن يقال الأغلال في الأعناق عبارة عن عدم الانقياد فإن المنقاد يقال فيه إنه وضع رأسه على الخط وخضع عنقه والذي في رقبته الغل الثخين إلى الذقن لا يطأطىء رأسه ولا يحركه تحريك المصدق ويصدق هذا قوله مُّقْمَحُونَ فإن المقمح هو الرافع رأسه كالمتأبي يقال بعير قامح إذا رفع رأسه فلم يشرب الماء ولم يطأطئه للشرب والإيمان كالماء الزلال الذي به الحياة وكأنه تعالى قال إِنَّا جَعَلْنَا فِى أَعْناقِهِمْ أَغْلَالاً فَهُم مُّقْمَحُونَ لا يخضعون الرقاب لأمر الله
وَجَعَلْنَا مِن بَيْنِ أَيْدِيهِمْ سَدّاً ومِنْ خَلْفِهِمْ سَدّاً فَأغْشَيْنَاهُمْ فَهُمْ لاَ يُبْصِرُونَ
وعلى هذا فقوله تعالى وَجَعَلْنَا مِن بَيْنِ أَيْدِيهِمْ سَدّاً ومِنْ خَلْفِهِمْ سَدّاً فَأغْشَيْنَاهُمْ فَهُمْ لاَ يُبْصِرُونَ
يكون متمماً لمعنى جعل الله إياهم مغلولين لأن قوله وَجَعَلْنَا مِن بَيْنِ أَيْدِيهِمْ سَدّاً إشارة إلى أنهم لا ينتهجون سبيل الرشاد فكأنه قال لا يبصرون الحق فينقادون له لمكان السد ولا ينقادون لك فيبصرون الحق فينقادون له لمكان الغل والإيمان المورث للإيقان إما باتباع الرسول أولاً فتلوح له الحقائق ثانياً وإما بظهور الأمور أولاً واتباع الرسول ثانياً ولا يتبعون الرسول أولاً لأنهم مغلولون فلا يظهر لهم الحق من الرسول ثانياً ولا يظهر لهم الحق أولاً لأنهم واقعون في السد فلا يتبعون الرسول ثانياً وفيه وجه آخر وهو أن يقال المانع إما أن يكون في النفس وإما أن يكون خارجاً عنها ولهم المانعان جميعاً من الإيمان أما في النفس فالغل وأما من الخارج فالسد ولا يقع نظرهم على أنفسهم فيرون الآيات التي في أنفسهم كما قال تعالى سَنُرِيهِمْ ءايَاتِنَا فِى الاْفَاقِ وَفِى أَنفُسِهِمْ وذلك لأن المقمح لا يرى نفسه ولا يقع بصره على يديه ولا يقع نظرهم على الآفاق لأن من بين السدين لا يبصرون الآفاق فلا تبين لهم الآيات التي في الآفاق وعلى هذا فقوله إِنَّا جَعَلْنَا فِى أَعْناقِهِمْ وَجَعَلْنَا مِن بَيْنِ أَيْدِيهِمْ إشارة إلى عدم هدايتهم لآيات الله في الأنفس والآفاق وفي تفسير قوله تعالى وَجَعَلْنَا مِن بَيْنِ أَيْدِيهِمْ سَدّاً مسائل


الصفحة التالية
Icon