وقوله فَبَشّرْهُ فيه إشارة إلى الأمر الثاني من أمري الرسالة فإن النبي ( ﷺ ) بشير ونذير وقد ذكر أنه أرسل لينذر وذكر أن الإنذار النافع عند اتباع الذكر فقال بشر كما أنذرت ونفعت وقوله بِمَغْفِرَة ٍ على التنكير أي بمغفرة واسعة تستر من جميع الجوانب حتى لا يرى عليه أثر من آثار النفس ويظهر عليه أنوار الروح الزكية وَأَجْرٍ كَرِيمٍ أي ذي كرم وقد ذكرنا ما في الكريم في قوله وَرِزْقٌ كَرِيمٌ وفي قوله وَرِزْقًا كَرِيماً
إِنَّا نَحْنُ نُحْى ِ الْمَوْتَى وَنَكْتُبُ مَاَ قَدَّمُواْ وَءَاثَارَهُمْ وَكُلَّ شى ْءٍ أَحْصَيْنَاهُ فِى إِمَامٍ مُّبِينٍ
ثم قال تعالى إِنَّا نَحْنُ نُحْى ِ الْمَوْتَى وَنَكْتُبُ مَاَ قَدَّمُواْ وَءاثَارَهُمْ وَكُلَّ شى ْء أَحْصَيْنَاهُ فِى إِمَامٍ مُّبِينٍ
في الترتيب وجوه أحدها أن الله تعالى لما بين الرسالة وهو أصل من الأصول الثلاثة التي يصير بها المكلف مؤمناً مسلماً ذكر أصلاً آخر وهو الحشر وثانيها وهو أن الله تعالى لما ذكر الاتذار والبشارة بقوله فَبَشّرْهُ بِمَغْفِرَة ٍ ولم يظهر ذلك بكماله في الدنيا فقال إن لم ير في الدنيا فالله يحيي الموتى ويجزي المنذرين ويجزي المبشرين وثالثها أنه تعالى لما ذكر خشية الرحمن بالغيب ذكر ما يؤكده وهو إحياء الموتى وفي التفسير مسائل
المسألة الأولى إِنَّا نَحْنُ يحتمل وجهين أحدهما أن يكون مبتدأ وخبراً كقول القائل
أنا أبو النجم وشعري شعري
ومثل هذا يقال عند الشهرة العظيمة وذلك لأن من لا يعرف يقال له من أنت فيقول أنا ابن فلان فيعرف ومن يكون مشهوراً إذا قيل له من أنت يقول أنا أي لا معرف لي أظهر من نفسي فقال إنا نحن معروفون بأوصاف الكمال وإذا عرفنا بأنفسنا فلا تنكر قدرتنا على إحياء الموتى وثانيهما أن يكون الخبر نُحْى ِ كأنه قال إنا نحيي الموتى و نَحْنُ يكون تأكيداً والأول أولى
المسألة الثانية إنا نحن فيه إشارة إلى التوحيد لأن الاشتراك يوجب التمييز بغير النفس فإن زيداً إذا شاركه غيره في الاسم فلو قال أنا زبد لم يحصل التعريف التام لأن للسامع أن يقول أيما زيد فيقول ابن عمرو ولو كان هناك زيد آخر أبوه عمرو لا يكفي قوله ابن عمرو فلما قال الله إِنَّا نَحْنُ أي ليس غيرنا أحد يشاركنا حتى تقول أنا كذا فنمتاز وحينئذٍ تصير الأصول الثلاثة مذكورة الرسالة والتوحيد والحشر
المسألة الثالثة قوله وَنَكْتُبُ مَاَ قَدَّمُواْ فيه وجوه أحدها المراد ما قدموا وأخروا فاكتفى بذكر أحدهما كما في قوله تعالى سَرَابِيلَ تَقِيكُمُ الْحَرَّ والمراد والبرد أيضاً وثانيها المعنى ما أسلفوا من الأعمال صالحة كانت أو فاسدة وهو كما قال تعالى بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ أي بما قدمت في الوجود على غيره وأوجدته وثالثها نكتب نيانهم فإنها قبل الأعمال وآثارهم أي أعمالهم على هذا الوجه
المسألة الرابعة وآثارهم فيه وجوه الأول آثارهم أقدامهم فإن جماعة من أصحابه بعدت دورهم عن المساجد فأرادوا النقلة فقال ( ﷺ ) ( إن الله يكتب خطواتكم ويثيبكم عليه فالزموا بيوتكم ) والثاني هي السنن الحسنة كالكتب المصنفة والقناطر المبنية والحبائس الدارة والسنن السيئة كالظلمات المستمرة التي


الصفحة التالية
Icon