مشارك للمعبود الذي اتخذ غير الله لأن الكل محتاج مفتقر حادث فلو قال لا أتخذ آلهة لقيل له ذلك يختلف إن اتخذت إلهاً غير الذي فطرك ويلزمك عقلاً أن تتخذ آلهة لا حصر لها وإن كان إلهك ربك وخالقك فلا يجوز أن تتخذ آلهة الثالثة قوله أَءتَّخِذُ إشارة إلى أن غيره ليس بإله لأن المتخذ لا يكون إله ولهذا قال تعالى مَا اتَّخَذَ صَاحِبَة ً وَلاَ وَلَداً ( الجن ٣ ) وقال الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِى لَمْ يَتَّخِذْ وَلَدًا ( الإسراء ١١١ ) لأنه تعالى لا يكون له ولد حقيقة ولا يجوز وإنما النصارى قالوا تبنى الله عيسى وسماه ولداً فقال وَلَمْ يَتَّخِذْ وَلَداً ( الفرقان ٢ ) ولا يقال قال الله تعالى فَاتَّخِذْهُ وَكِيلاً في حق الله تعالى حيث قال رَّبُّ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ لاَ إله إِلاَّ هُوَ فَاتَّخِذْهُ وَكِيلاً ( المزمل ٩ ) نقول ذلك أمر متجدد وذلك لأن الإنسان في أول الأمر يكون قليل الصبر ضعيف القوة فلا يجوز أن يترك أسباب الدنيا ويقول إني أتوكل فلا يحسن من الواحد منا أن لا يشتغل بأمر أصلاً ويترك أطفاله في ورطة الحاجة ولا يوصل إلى أهله نفقتهم ويجلس في مسجد وقلبه متعلق بعطاء زيد وعمرو فإذا قوي بالعبادة قلبه ونسي نفسه فضلاً عن غيره وأقبل على عبادة ربه بجميع قلبه وترك الدنيا وأسبابها وفوض أمره إلى الله حينئذٍ يكون من الأبرار الأخيار فقال الله لرسوله أنت علمت أن الأمور كلها بيد الله وعرفت الله حق المعرفة وتيقنت أن المشرق والمغرب وما فيهما وما يقع بينهما بأمر الله ولا إله يطلب لقضاء الحوائج إلا هو فاتخذه وكيلاً وفوض جميع أمورك إليه فقد ارتقيت عن درجة من يؤمر بالكسب الحلال وكنت من قبل تتجر في الحلال ومعنى قوله فَاتَّخِذْهُ وَكِيلاً أي في جميع أمورك وقوله تعالى لاَّ تُغْنِ عَنّى يحتمل وجهين أحدهما أن يكون كالوصف كأنه قال أأتخذ آلهة غير مغنية عند إرادة الرحمن بي ضراً وثانيهما أن يكون كلاماً مستأنفاً كأنه قال لا أتخذ من دونه آلهة
ثم قال تعالى إِن يُرِدْنِ الرَّحْمَنُ بِضُرّ لاَّ تُغْنِ عَنّى شَفَاعَتُهُمْ شَيْئاً وَلاَ يُنقِذُونَ وفيه مسائل
المسألة الأولى قال إِن يُرِدْنِ الرَّحْمَنُ بِضُرّ ولم يقل إن يرد الرحمن بي ضراً وكذلك قال تعالى إِنْ أَرَادَنِى َ اللَّهُ بِضُرّ هَلْ هُنَّ كَاشِفَاتُ ضُرّهِ ( الزمر ٣٨ ) ولم يقل إن أراد الله بي ضراً نقول الفعل إذا كان متعدياً إلى مفعول واحد تعدى إلى مفعولين بحرف كاللازم يتعدى بحرف في قولهم ذهب به وخرج به ثم إن المتكلم البليغ يجعل المفعول بغير حرف ما هو أولى بوقوع الفعل عليه ويجعل الآخر مفعولاً بحرف فإذا قال القائل مثلاً كيف حال فلان يقول اختصه الملك بالكرامة والنعمة فإذا قال كيف كرامة الملك يقول اختصها بزيد فيجعل المسؤول مفعولاً بغير حرف لأنه هو المقصود إذا علمت هذا فالمقصود فيما نحن فيه بيان كون العبد تحت تصرف الله يقلبه كيف يشاء في البؤس والرخاء وليس الضر بمقصود بيانه كيف والقائل مؤمن يرجو الرحمة والنعمة بناءً على إيمانه بحكم وعد الله ويؤيد هذا قوله من قبل الَّذِى فَطَرَنِى ( يس ٢٢ ) حيث جعل نفسه مفعول الفطرة فكذلك جلعها مفعول الإرارة وذكر الضر وقع تبعاً وكذا القول في قوله تعالى إِنْ أَرَادَنِى َ اللَّهُ بِضُرّ ( الزمر ٣٨ ) المقصود بيان أن يكون كما يريد الله وليس الضر بخصوصه مقصوداً بالذكر ويؤيده ما تقدم حيث قال تعالى أَلَيْسَ اللَّهُ بِكَافٍ عَبْدَهُ ( الزمر ٣٦ ) يعني هو تحت إرادته ويتأيد ما ذكرناه بالنظر في قوله تعالى قُلْ مَن ذَا الَّذِى يَعْصِمُكُمْ مّنَ اللَّهِ إِنْ أَرَادَ بِكُمْ سُوءاً


الصفحة التالية
Icon