( الأحزاب ١٧ ) حيث خالف هذا النظم وجعل المفعول من غير حرف السوء وهو كالضر والمفعول بحرف هو المكلف وذلك لأن المقصود ذكر الضر للتخويف وكونهم محلاً له وكيف لا وهم كفرة استحقوا العذاب بكفرهم فجعل الضر مقصوداً بالذكر لزجرهم فإن قيل فقد ذكر الله الرحمة أيضاً حيث قال أَوْ أَرَادَ بِكُمْ رَحْمَة ً ( الأحزاب ١٧ ) نقول المقصود ذلك ويدل عليه قوله تعالى مِن بَعْدِهِ وَلاَ يَجِدُونَ لَهُمْ مّن دُونِ اللَّهِ وَلِيّاً وَلاَ نَصِيراً ( الأحزاب ١٧ ) وإنما ذكر الرحمة تتمة للأمر بالتقسيم الحاصر وكذلك إذا تأملت في قوله تعالى يَقُولُونَ بِأَلْسِنَتِهِمْ مَّا لَيْسَ فِى قُلُوبِهِمْ قُلْ فَمَن يَمْلِكُ لَكُمْ مّنَ اللَّهِ شَيْئاً إِنْ أَرَادَ بِكُمْ ضَرّاً أَوْ أَرَادَ ( الفتح ١١ ) فإن الكلام أيضاً مع الكفار وذكر النفع وقع تبعاً لحصر الأمر بالتقسيم ويدل عليه قوله تعالى بَلْ كَانَ اللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيراً ( الفتح ١١ ) فإنه للتخويف وهذا كقوله تعالى وَإِنَّا أَوْ إِيَّاكُمْ لَعَلَى هُدًى أَوْ فِى ضَلَالٍ مُّبِينٍ ( سبأ ٢٤ ) والمقصود إني على هدى وأنتم في ضلال ولو قال هكذا لمنع فقال بالتقسيم كذلك ههنا المقصود الضر واقع بكم ولأجل دفع المانع قال الضر والنفع
المسألة الثانية قال ههنا إِن يُرِدْنِ الرَّحْمَنُ وقال في الزمر إِنْ أَرَادَنِى َ اللَّهُ ( الزمر ٣٨ ) فما الحكمة في اختيار صيغة الماضي هنالك واختيار صيغة المضارع ههنا وذكر المريد باسم الرحمن هنا وذكر المريد باسم الله هناك نقول أما الماضي والمستقبل فإن إن في الشرط تصير الماضي مستقبلاً وذلك لأن المذكور ههنا من قبل بصيغة الاستقبال في قوله أَءتَّخِذُ وقوله وَمَا لِى َ لاَ أَعْبُدُ ( يس ٢٢ ) والمذكور هناك من قبل بصيغة الماضي في قوله أَفَرَءيْتُمُ ( الزمر ٣٨ ) وكذلك في قوله تعالى وَإِن يَمْسَسْكَ اللَّهُ بِضُرّ ( الأنعام ١٧ ) لكون المتقدم عليه مذكوراً بصيغة المستقبل وهو قوله وَمِنْ يُصْرَفْ عَنْهُ ( الأنعام ١٦ ) وقوله إِنّى أَخَافُ إِنْ عَصَيْتُ ( الأنعام ١٥ ) والحكمة فيه هو أن الكفار كانوا يخوفون النبي ( ﷺ ) بضر يصيبه من آلهتهم فكأنه قال صدر منكم التخويف وهذا ما سبق منكم وههنا ابتداء كلام صدر من المؤمن للتقرير والجواب ما كان يمكن صدوره منهم فافترق الأمران وأما قوله هناك إِنْ أَرَادَنِى َ اللَّهُ ( الزمر ٣٨ ) فنقول قد ذكرنا أن الأسمين المختصين بواجب الوجود الله والرحمن كما قال تعالى قُلِ ادْعُواْ اللَّهَ أَوِ ادْعُواْ الرَّحْمَنَ ( الإسراء ١١٠ ) والله للهيبة والعظمة الرحمن للرأفة والرحمة وهناك وصف الله بالعزة والانتقام في قوله أَلَيْسَ اللَّهُ بِعَزِيزٍ ذِى انتِقَامٍ ( الزمر ٣٧ ) وذكر ما يدل على العظمة ما يدل على العظمة بقوله وَلَئِن سَأَلْتَهُمْ مَّنْ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالاْرْضَ ( العنكبوت ٦١ ) فذكر الاسم الدال على العظمة وقال ههنا ما يدل على الرحمة بقوله الَّذِى فَطَرَنِى ( يس ٢٢ ) فإنه نعمة هي شرط سائر النعم فقال إِن يُرِدْنِ الرَّحْمَنُ بِضُرّ ثم قال تعالى لاَّ تُغْنِ عَنّى شَفَاعَتُهُمْ شَيْئاً وَلاَ على ترتيب ما يقع من العقلاء وذلك لأن من يريد دفع الضر عن شخص أضر به شخص يدفع بالوجه الأحسن فيشفع أولاف فإن قبله ولا يدفع فقال لا تغن عني شفاعتهم ولا يقدرون على إنقاذي بوجه من الوجوه وفي هذه الآيات حصل بيان أن الله تعالى معبود من كل وجه إن كان نظراً إلى جانبه فهو فاطر ورب مالك يستحق العبادة سواء أحسن بعد ذلك أو لم يحسن وإن كان نظراً إلى إحسانه فهو رحمن وإن كان نظراً إلى الخوف فهو يدفع ضره وحصل بيان أن غيره لا يصلح أن يعبد بوجه من الوجوه فإن أدنى مراتبه أن يعد ذلك ليوم كريهة وغير الله لا يدفع شيئاً إلا إذا أراد الله وإن يرد فلا حاجة إلى دافع


الصفحة التالية
Icon