عن إحياء الموتى وفيه مسائل
المسألة الأولى قوله كُلَّهَا يدل على أن أفعال العباد مخلوقة لله لأن الزوج هو الصنف وأفعال العباد أصناف ولها أشباه واقعة تحت أجناس الأعراض فتكون من الكل الذي قال الله فيها إنه خلق الأزواج كلها لا يقال مما تنبت الأرض يخرج الكلام عن العموم لأن من قال أعطيت زيداً كل ما كان لي يكون للعموم إن اقتصر عليه فإذا قال بعده من الثياب لا يبقى الكلام على عمومه لأنا نقول ذلك إذا كانت من لبيان التخصيص أما إذا كانت لتأكيد العموم فلا بدليل أن من قال أعطيته كل شيء من الدواب والثياب والعبيد والجواري يفهم منه أنه يعدد الأصناف لتأكيد العموم ويؤيد هذا قوله تعالى في حم الَّذِى خَلَق الاْزْواجَ كُلَّهَا وَجَعَلَ لَكُمْ مّنَ الْفُلْكِ وَالاْنْعَامِ مَا تَرْكَبُونَ ( الزخرف ١٢ ) من غير تقييد
المسألة الثانية ذكر الله تعالى أموراً ثلاثة ينحصر فيها المخلوقات فقوله مِمَّا تُنبِتُ الارْضُ يدخل فيها ما في الأرض من الأمور الظاهرة كالنبات والثمار وقوله وَمِنْ أَنفُسِهِمْ يدخل فيها الدلائل النفسية وقوله وَمِمَّا لاَ يَعْلَمُونَ يدخل ما في أقطار السموات وتخوم الأرضين وهذا دليل على أنه لم يذكر ذلك للتخصيص بدليل أن الأنعام مما خلقها الله والمعادن لم يذكرها وإنما ذكر الأشياء لتأكيد معنى العموم كما ذكرنا في المثال
المسألة الثالثة قوله وَمِمَّا لاَ يَعْلَمُونَ فيه معنى لطيف وهو أنه تعالى إنما ذكر كون الكل مخلوقاً لينزه الله عن الشريك فإن المخلوق لا يصلح شريكاً للخلق لكن التوحيد الحقيقي لا يحصل إلا بالاعتراف بأن لا إله إلا الله فقال تعالى اعلموا أن المانع من التشريك فيما تعلمون وما لا تعلمون لأن الخلق عام والمانع من الشركة الخلق فلا تشركوا بالله شيئاً مما تعلمون فإنكم تعلمون أنه مخلوق ومما لا تعلمون فإنه عند الله كله مخلوق لكون كله ممكناً ثم قال تعالى
وَءَايَة ٌ لَّهُمُ الَّيْلُ نَسْلَخُ مِنْهُ النَّهَارَ فَإِذَا هُم مُّظْلِمُونَ
لما استدل الله بأحوال الأرض وهي المكان الكلي استدل بالليل والنهار وهو الزمان الكلي فإن درلة المكان والزمان مناسبة لأن المكان لا تستغني عنه الجواهر والزمان لا تستغني عنه الأعراض لأن كل عرض فهو في زمان ومثله مذكور في قوله تعالى وَمِنْ ءايَاتِهِ الَّيْلُ كَلاَّ وَالْقَمَرِ ( فصلت ٣٧ ) ثم قال بعده وَمِنْ ءايَاتِهِ أَنَّكَ تَرَى الاْرْضَ خَاشِعَة ً فَإِذَا أَنزَلْنَا عَلَيْهَا الْمَاء اهْتَزَّتْ وَرَبَتْ ( فصلت ٣٩ ) حيث استدل بالزمان والمكان هناك أيضاً لكن المقصود أولاً هناك إثبات الوحدانية بدليل قوله تعالى لاَ تَسْجُدُواْ لِلشَّمْسِ ( فصلت ٣٧ ) ثم الحشر بدليل قوله تعالى إِنَّ الَّذِى أَحْيَاهَا فَانظُرْ إِلَى ( فصلت ٣٩ ) وههنا المقصود أولاً إثبات الحشر لأن السورة فيها ذكر الحشر أكثر يدل عليه النظر في السورة وهناك ذكر التوحيد أكثر بدليل قوله تعالى فيه قُلْ أَئِنَّكُمْ لَتَكْفُرُونَ بِالَّذِى خَلَقَ الاْرْضَ فِى يَوْمَيْنِ ( فصلت ٩ ) إلى غيره وآخر السورتين يبين الأمر وفيه مسائل


الصفحة التالية
Icon