إذا تقاتل قوم ومات الكل في القتال يقال هؤلاء القوم هم قتلوا أنفسهم فهم في الموضعين يكون عائداً إلى القوم ولا يكون المراد أشخاصاً معينين بل المراد أن بعضهم قتل بعضاً فكذلك قوله تعالى وَءايَة ٌ لَّهُمُ أي آية لكل بعض منهم أنا حملنا ذرية على بعض منهم أو ذرية بعض منهم وأما إن قلنا إن المراد جنس الفلك فهو أظهر لأن سفينة نوح لم تكن بحضرتهم ولم يعلموا من حمل فيها فأما جنس الفلك فإنه ظاهر لكل أحد وقوله تعالى في سفينة نوح وَجَعَلْنَاهَا ءايَة ً لّلْعَالَمِينَ ( العنكبوت ١٥ ) أي بوجود جنسها ومثلها ويؤيده قوله تعالى الم تَرَى أَلَمْ تَرَ أَنَّ الْفُلْكَ تَجْرِى فِى الْبَحْرِ بِنِعْمَتِ اللَّهِ لِيُرِيَكُمْ مّنْ ءايَاتِهِ إِنَّ فِى ذَلِكَ لاَيَاتٍ لّكُلّ ( لقمان ٣١ ) فنقول قوله تعالى حَمَلْنَا ذُرّيَّتَهُمْ أي ذريات العباد ولم يقل حملناهم لأن سكون الأرض عام لكل أحد يسكنها فقال وَءايَة ٌ لَّهُمُ الاْرْضُ الْمَيْتَة ُ إلى أن قال فَمِنْهُ يَأْكُلُونَ ( يس ٣٣ ) لأن الأكل عام وأما الحمل في السفينة فمن الناس من لا يركبها في عمره ولا يحمل فيها ولكن ذرية العباد لا بد لهم من ذلك فإن فيهم من يحتاج إليها فيحمل فيها
المسألة الثانية جعل الفلك تارة جمعاً حيث قال وَتَرَى الْفُلْكَ فِيهِ مَوَاخِرَ ( فاطر ١٢ ) جمع ماخرة وأخرى فرداً حيث قال فِى الْفُلْكِ الْمَشْحُونِ نقول فيه تدقيق مليح من علم اللغة وهو أن الكلمة قد تكون حركتها مثل حركة تلك الكلمة في الصورة والحركتان مختلفتان في المعنى مثالها قولك سجد يسجد سجوداً للمصدر وهم قوم سجود في جمع ساجد تظن أنهما كلمة واحدة لمعنيين وليس كذلك بل السجود عند كونه مصدراً حركته أصلية إذا قلنا إن الفعل مشتق من المصدر وحركة السجود عند كونه للجمع حركة متغيرة من حيث إن الجمع يشتق من الواحد وينبغي أن يلحق المشتق تغيير في حركة أو حرف أو في مجموعهما فساجد لما أردنا أن يشتق منه لفظ جمع غيرناه وجئنا بلفظ السجود فإذاً السجود للمصدر والجمع ليس من قبيل الألفاظ المشتركة التي وضعت بحركة واحدة لمعنيين إذا عرفت هذا فنقول الفلك عند كونه واحداً مثل قفل وبرد وعند كونها جمعاً مثل خشب ومرد وغيرهما فإن قلت فإذا جعلته جمعاً ماذا يكون واحدها نقول جاز أن يكون واحدها فلكة أو غيرها مما لم يستعمل كواحد النساء حيث لم يستعمل وكذا القول في إِمَامٍ مُّبِينٍ ( يس ١٢ ) وفي قوله نَدْعُواْ كُلَّ أُنَاسٍ بِإِمَامِهِمْ ( الإسراء ٧١ ) أي بأئمتهم عند قوله تعالى إِمَامٍ مُّبِينٍ إما كزمام وكتاب وعند قوله تعالى كُلَّ أُنَاسٍ بِإِمَامِهِمْ إمام كسهام وكرام وجعاب وهذا من دقيق التصريف وأما المعنوية فنذكرها في مسائل
المسألة الأولى قال ههنا حَمَلْنَا ذُرّيَّتَهُمْ من عليهم بحمل ذريتهم وقال تعالى إِنَّا لَمَّا طَغَا الْمَاء حَمَلْنَاكُمْ فِى الْجَارِيَة ِ ( الحاقة ١١ ) من هناك عليهم بحمل أنفسهم نقول لأن من ينفع المتعلق بالغير يكون قد نفع ذلك الغير ومن يدفع الضرر على المتعلق بالغير لا يكون قد دفع الضرر عن ذلك الغير بل يكون قد نفعه مثاله من أحسن إلى ولد إنسان وفرحه فرح بفرحه أبوه وإذا دفع واحد الألم عن ولد إنسان يكون قد فرح أباه ولا يكون في الحقيقة قد أزال الألم عن أبيه عند طغيان الماء كان الضرر يلحقهم فقال دفعت عنكم الضرر ولو قال دفعت عن أولادكم الضرر لما حصل بيان دفع الضرر عنهم وههنا أراد بيان المنافع فقال حَمَلْنَا ذُرّيَّتَهُمْ


الصفحة التالية
Icon