لأن النفع حاصل بنفع الذرية ويدلك على هذا أن ههنا قال فِى الْفُلْكِ الْمَشْحُونِ فإن امتلاء الفلك من الأموال يحصل بذكره بيان المنفعة وأما دفع المضرة فلا لأن الفلك كلما كان أثقل كان الخلاص به أبطأ وهنالك السلامة فاختار هنالك ما يدل على الخلاص من الضرر وهو الجري وههنا ما يدل على كمال المنفعة وهو الشحن فإن قيل قال تعالى وَحَمَلْنَاهُمْ فِى الْبَرّ وَالْبَحْرِ ( الإسراء ٧٠ ) ولم يقل وحملنا ذريتهم مع أن المقصود في الموضعين بيان النعمة لا دفع النقمة نقول لما قال فِى الْبَرّ وَالْبَحْرِ عم الخلق لأن ما من أحد إلا وحمل في البر أو البحر وأما الحمل في البحر فلم يعلم فقال إن كنا ما حملناكم بأنفسكم فقد حملنا من يهمكم أمره من الأولاد والأقارب والإخوان والأصدقاء
المسألة الثانية قوله الْمَشْحُونِ يفيد فائدة أخرى غير ما ذكرنا وهي أن الآدمي يرسب في الماء ويغرق فحمله في الفلك واقع بقدرته لكن من الطبيعيين من يقول الخفيف لا يرسب في الماء لأن الخفيف يطلب جهة فوق فقال الْفُلْكِ الْمَشْحُونِ أثقل من الثقال التي ترسب ومع هذا حمل الله الإنسان فيه مع ثقله فإن قالوا ذلك لامتناع الخلاء نقول قد ذكرنا الدلائل الدالة على جواز الخلاء في الكتب العقلية فإذن ليس حفظ الثقيل فوق الماء إلا بإرادة الله
المسألة الثالثة قال تعالى وَءايَة ٌ لَّهُمُ الاْرْضُ ( يس ٣٣ ) وقال وَءايَة ٌ لَّهُمُ الَّيْلُ ( يس ٣٧ ) ولم يقل وآية لهم الفلك جعلناها بحيث تحملهم وذلك لأن حملهم في الفلك هو العجب أما نفس الفلك فليس بعجب لأنه كبيت مبني من خشب وأما نفس الأرض فعجب ونفس الليل عجب لا قدرة عليهما لأحد إلا الله ثم قال تعالى
وَخَلَقْنَا لَهُمْ مِّن مِّثْلِهِ مَا يَرْكَبُونَ
وفيه مسائل
المسألة الأولى من حيث اللغة فقوله لهم يحتمل أن يكون عائداً إلى الذرية أي حملنا ذريتهم وخلقنا للمحمولين ما يركبون ويحتمل أن يكون عائداً إلى العباد الذين عاد إليهم قوله وَءايَة ٌ لَّهُمُ ( يس ٤١ ) وهو الحق لأن الظاهر عود الضمائر إلى شيء واحد
المسألة الثانية مِنْ يحتمل وجهين أحدهما أن يكون صلة تقديره وخلقنا لهم مثله وهذا على رأي الأخفش وسيبويه يقول من لا يكون صلة إلا عند النفي تقول ما جاءني من أحد كما في قوله تعالى وَمَا مَسَّنَا مِن لُّغُوبٍ ( ق ٣٨ ) وثانيهما هي مبينة كما في قوله تعالى يَغْفِرْ لَكُمْ مّن ذُنُوبِكُمْ ( الأحقاف ٣١ ) كأنه لما قال خَلَقْنَا لَهُم والمخلوق كان أشياء قال من مثل الفلك للبيان
المسألة الثالثة الضمير في مّثْلِهِ على قول الأكثرين عائد إلى الفلك فيكون هذا كقوله تعالى وَءاخَرُ مِن شَكْلِهِ أَزْواجٌ ( ص ٥٨ ) وعلى هذا فالأظهر أن يكون المراد الفلك الآخر الموجود في زمانهم ويؤيد هذا هو أنه تعالى قال وَإِن نَّشَأْ نُغْرِقْهُمْ ( يس ٤٣ ) ولو كان المراد الإبل على ما قاله بعض المفسرين لكان قوله وَخَلَقْنَا لَهُمْ مّن مّثْلِهِ مَا يَرْكَبُونَ فاصلاً بين متصلين ويحتمل أن يقال الضمير عائد إلى معلوم غير مذكور تقديره أن يقال وخلقنا لهم من مثل ما ذكرنا من المخلوقات في قوله خَلَق الاْزْواجَ كُلَّهَا مِمَّا تُنبِتُ الاْرْضُ


الصفحة التالية
Icon