( يس ٣٦ ) وهذا كما قالوا في قوله تعالى لِيَأْكُلُواْ مِن ثَمَرِهِ يس ءانٍ وَقُرْءانٌ مُّبِينٌ لّيُنذِرَ مَن كَانَ حَيّاً وَيَحِقَّ الْقَوْلُ عَلَى الْكَافِرِينَ أَوَلَمْ يَرَوْاْ أَنَّا خَلَقْنَا لَهُم فيه لطيفة وهي أن ما من أحد إلا وله ركوب مركوب من الدواب وليس كل أحد يركب الفلك فقال في الفلك حملنا ذريتهم وإن كان ما حملناهم وأما الخلق فلهم عام وما يركبون فيه وجهان أحدهما هو الفلك الذي مثل فلك نوح ثانيهما هو الإبل التي هي سفن البر فإن قيل إذا كان المراد سفينة نوح فما وجه مناسبة الكلام نقول ذكرهم بحال قوم نوح وأن المكذبين هلكوا والمؤمنين فازوا فكذلك هم إن آمنوا يفوزوا وإن كذبوا يهلكوا
وَإِن نَّشَأْ نُغْرِقْهُمْ فَلاَ صَرِيخَ لَهُمْ وَلاَ هُمْ يُنقَذُونَ
ثم قال تعالى وَإِن نَّشَأْ نُغْرِقْهُمْ إشارة إلى فائذتين أحداهما أن في حال النعمة ينبغي أن لا يأمنوا عذاب الله وثانيتهما هو أن ذلك جواب سؤال مقدر وهو أن الطبيعي يقول السفينة تحمل بمقتضى الطبيعة والمجوف لا يرسب فقال ليس كذلك بل لو شاء الله أغرقهم وليس ذلك بمقتضى الطبع ولو صح كلامه الفاسد لكان القائل أن يقول ألست توافق أنمن السفن ما ينقلب وينكسر ومنها ما يثقبه ثاقب فيرسب وكل ذلك بمشيئة الله فإن شاء الله إغراقهم من غير شيء من هذه الأسباب كما هو مذهب أهل السنة أو بشيء من تلك الأسباب كما تسلم أنت
وقوله تعالى فَلاَ صَرِيخَ لَهُمْ أي لا مغيث لهم يمنع عنهم الغرق
وقوله تعلاى وَلاَ هُمْ يُنقَذُونَ إذا أدركهم الغرق وذلك لأن الخلاص من العذاب إما أن يكون بدفع العذاب من أصله أو برفعه بعد وقوعه فقال لا صريخ لهم يدفع ولا هم ينقذون بعد الوقوع فيه وهذا مثل قوله تعالى لاَّ تُغْنِ عَنّى شَفَاعَتُهُمْ شَيْئاً وَلاَ يُنقِذُونَ فقوله لا صَرِيخَ لَهُمْ وَلاَ هُمْ يُنقَذُونَ فيه فائدة أخرى غير الحصر وهي أنه تعالى قال لا صريخ لهم ولم يقل ولا منقذ لهم وذلك لأن من لا يكون من شأنه أن ينصر لا يشرع في النصرة مخافة أن يغلب ويذهب ماء وجهه وإنما ينصر ويغيث من يكون من شأنه أن يغيث فقال لا صريخ لهم وأما من لا يكون من شأنه أن ينقذ إذا رأى من يعز عليه في ضر يشرع في الإنقاذ وإن لم يثق بنفسه في الإنقاذ ولا يغلب على ظنه وإنما يبذل المجهود فقال وَلاَ هُمْ يُنقَذُونَ ولم يقل ولا منقد لهم
إِلاَّ رَحْمَة ً مِّنَّا وَمَتَاعاً إِلَى حِينٍ
ثم استثنى فقال
وهو يفيد أمرين أحدهما انقسام الإنقاذ إلى قسمين الرحمة والمتاع أي فيمن علم الله منه أنه يؤمن فينقذه الله رحمة وفيمن علم أنه لا يؤمن فليتمتع زماناً ويزداد إثماً وثانيهما أنه بيان لكون الإنقاذ غير مفيد للدوام بل الزوال في الدنيا لا بد منه فينقذه الله رحمة ويمتعه إلى حين ثم يميته فالزوال لازم أن يقع ثم قال تعالى
وَإِذَا قِيلَ لَهُمُ اتَّقُواْ مَا بَيْنَ أَيْدِيكُمْ وَمَا خَلْفَكُمْ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ
وجه تعلق الآية بما قبلها هو أن الله تعالى لما عدد الآيات بقوله وَءايَة ٌ لَّهُمُ الاْرْضُ وَءايَة ٌ لَّهُمُ الَّيْلُ وَءايَة ٌ لَّهُمْ أَنَّا حَمَلْنَا ذُرّيَّتَهُمْ


الصفحة التالية
Icon