المسألة الرابعة قوله تعالى وَالْعَمَلُ الصَّالِحُ يَرْفَعُهُ وفي الهاء وجهان أحدهما هي عائدة إلى الكلم الطيب أي العمل الصالح هو الذي يرفعه الكلم الطيب ورد في الخبر ( لا يقبل الله قولاً بلا عمل ) وثانيهما هي عائدة إلى العمل الصالح وعلى هذا في الفاعل الرافع وجهان أحدهما هو الكلم الطيب يرفع العمل الصالح وهذا يؤيده قوله تعالى مَّنْ عَمِلَ صَالِحاً من ذكر أو أنثى وهو مؤمن وثانيهما الرافع هو الله تعالى
المسألة الخامسة ما وجه ترجيح الذكر على العمل على الوجه الثاني حيث يصعد الكلم بنفسه ويرفع العمل بغير فنقول الكلام شريف فإن امتياز الإنسان عن كل حيوان بالنطق ولهذا قال تعالى وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِى ءادَمَ أي بالنفس الناقطة والعمل حركة وسكون يشترك فيه الإنسان وغيره والشريف إذا وصل إلى باب الملك لا يمنع ومن دونه لا يجد الطريق إلا عند الطلب ويدل على هذا أن الكافر إذا تكلم بكلمة الشهادة إن كان عن صدق أمن عذاب الدنيا والآخرة وإن كان ظاهراً أمن في نفسه ودمه وأهله وحرمه في الدنيا ولا كذلك العمل بالجوارح وقد ذكرنا ذلك في تفسير قوله تعالى وَالَّذِينَ ءامَنُواْ وَعَمِلُواْ الصَّالِحَاتِ ووجه آخر القلب هو الأصل وقد تقدم ما يدل عليه وقال النبي ( ﷺ ) ( ألا وإن في الجسد مضغة إذا صلحت صلح الجسد كله وإذا فسدت فسد الجسد كله ألا وهي القلب ) وما في القلب لا يظهر إلا باللسان وما في اللسان لا يتبين صدقه إلا بالفعل ألا ترى أن الإنسان لا يتكلم بكلمة إلا عن قلب وأما الفعل قد يكون لا عن قلب كالعبث باللحية ولأن النائم لا يخلو عن فعل من حركة وتقلب وهو في أكثر الأمر لا يتكلم في نومه إلا نادراً لما ذكرنا إن الكلام بالقلب ولا كذلك العمل فالقول أشرف
المسألة السادسة قال الزمخشري المكر لا يتعدى فبم انتصاب السيئات وقال بأن معناه الذين يمكرون المكرات السيئات فهو صف مصدر محذوف ويحتمل أن يقال استعمل المكر استعمال العمل فعداه تعديته كما قال تعالى الَّذِى يَعْمَلُونَ السَّيّئَاتِ وفي قوله الَّذِى يَعْمَلُونَ السَّيّئَاتِ يحتمل ما ذكرناه أن يكون السيئات وصفاً لمصدر تقديره الذين يعملون العملات السيئات وعلى هذا فيكون هذا في مقابلة قوله وَالْعَمَلُ الصَّالِحُ يَرْفَعُهُ إشارة إلى بقائه وارتقائه وَمَكْرُ أُوْلَئِكَ أي العمل السيء وَهُوَ يَبُورُ إشارة إلى فنائه
وَاللَّهُ خَلَقَكُمْ مِّن تُرَابٍ ثُمَّ مِن نُّطْفَة ٍ ثُمَّ جَعَلَكُمْ أَزْوَاجاً وَمَا تَحْمِلُ مِنْ أُنْثَى وَلاَ تَضَعُ إِلاَّ بِعِلْمِهِ وَمَا يُعَمَّرُ مِن مُّعَمَّرٍ وَلاَ يُنقَصُ مِنْ عُمُرِهِ إِلاَّ فِى كِتَابٍ إِنَّ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ
ثم قال تعالى وَاللَّهُ خَلَقَكُمْ مّن تُرَابٍ ثُمَّ مِن نُّطْفَة ٍ ثُمَّ جَعَلَكُمْ أَزْواجاً وَمَا تَحْمِلُ مِنْ أُنْثَى وَلاَ تَضَعُ إِلاَّ بِعِلْمِهِ وَمَا
قد ذكرنا مراراً أن الدلائل مع كثرتها وعدم دخولها في عدد محصور منحصرة في قسمين دلائل الآفاق ودلائل الأنفس كما قال تعالى سَنُرِيهِمْ ءايَاتِنَا فِى الاْفَاقِ وَفِى أَنفُسِهِمْ فلما ذكر دلائل الآفاق


الصفحة التالية
Icon