هذه المرتبة ضعيفة فلأن الظاهر من حال المؤذن أنه لا يحيط بمعاني تلك الكلمات وبتقدير أن يكون محيطاً بها إلا أنه لا يريد بذكرها تلك المعاني الشريفة فهذا هو الكلام في مراتب الدعوة إلى الله
المسألة الثالثة قوله وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلاً مّمَّن دَعَا إِلَى اللَّهِ يدل على أن الدعوة إلى الله أحسن من كل ما سوها إذا عرفت هذا فنقول كل ما كان أحسن الأعمال فهو واجب إذا عرفت هذا فنقول الدعوة إلى الله أحسن الأعمال بمتقضى هذه الآية وكل ما كان أحسن الأعمال فهو واجب ثم ينتج أن الدعوة إلى الله واجبة ثم نقول الأذان دعوة إلى الله والدعوة إليه واجبة فينتج لأذان واجب واعلم أن الأكثرين من الفقهاء زعموا أن الأذان غير واجب وزعموا أن الأذان غير داخل في هذه الآية والدليل القاطع عليه أن لدعوة المرادة بهذه الآية يجب أن تكون أحسن الأقوال وثبت أن الأذان ليس أحسن الأقوال لأن الدعوة إلى دين الله سبحانه وتعالى بالدلائل اليقينية أحسن من الأذان ينتج من الشكل الثاني أن الداخل تحت هذه الآية ليس هو لأذان
المسألة الرابعة اختلف الناس في أن الأولى أن يقول الرجل أنا المسلم أو الأولى أن يقول أنا مسلم إن شاء الله فالقائلون بالقول الأول احتجوا على صحة قولهم بهذه الآية فإن التقدير ومن أحسن قولاً ممن قال إني من المسلمين فحكم بأن هذا القول أحسن الأقوال ولو كان قولنا إن شاء الله معتبراً في كونه أحسن الأقوال لبطل ما دل عليه ظاهر هذه الآية
المسألة الخامسة الآية تدل على أن أحسن الأقوال قول من جمع بين خصال ثلاثة أولها الدعوة إلى الله وثانيها العمل الصالح وثالثها أن يكون من المسلمين أما الدعوة إلى الله فقد شرحناها وهي عبارة عن الدعوة إلى الله بإقامة الدلائل اليقينية والبراهين القطعية
وأما قوله وَعَمِلَ صَالِحَاً فاعلم أن العمل الصالح إما أن يكون عمل القلوب وهو المعرفة أو عمل الجوارح وهو سائر الطاعات
وأما قوله وَقَالَ إِنَّنِى مِنَ الْمُسْلِمِينَ فهو أن ينضم إلى عمل القلب وعمل الجوارح الإقرار باللسان فيكون هذا الرجل موصوفاً بخصال أربعة أحدها الإقرار باللسان والثاني الأعمال الصالحة بالجوارح والثالث الاعتقاد الحق بالقلب والرابع الاشتغال بإقامة الحجة على دين الله ولا شك أن الموصوف بهذه الخصال الأربعة أشرف الناس وأفضلهم وكمال الدرجة في هذه المرات بالأربعة ليس إلا لمحمد ( ﷺ )
ثم قال تعالى وَلاَ تَسْتَوِى الْحَسَنَة ُ وَلاَ السَّيّئَة ُ وعلم أنا بينا أن الكلام من أول السورة ابتدىء من أن الله حكى عنهم أنهم قالوا قُلُوبُنَا فِى أَكِنَّة ٍ مِمَّا تَدْعُونَا إِلَيْهِ ( فصلت ٥ ) فأظهروا من أنفسهم الإصرار الشديد على أديانهم القديمة وعدم التأثر بدلائل محمد ( ﷺ ) ثم إنه تعالى أطنب في الجواب عنه وذكر الوجوه الكثيرة وأردافها بالوعد والوعيد ثم حكى عنهم شبهة أخرى وهي قولهم لا تَسْمَعُواْ لِهَاذَا الْقُرْءانِ وَالْغَوْاْ فِيهِ ( فصلت ٢٦ ) وأجاب عنها أيضاً بالوجوه الكثيرة ثم إنه تعالى بعد الإطناب في الجواب عن تلك الشبهات رغب محمداً ( ﷺ ) في أن لا يترك الدعوة إلى الله فابتدأ أولاً بأن قال إِنَّ الَّذِينَ قَالُواْ رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ فلهم الثواب العظيم ثم ترقى من تلك الدرجة إلى درجة أخرى وهي أن الدعوة إلى الله من أعظم الدرجات فصار


الصفحة التالية
Icon