فلأجل الخوف من هذا المحذور نهى الشارع الحكيم عن جعل الشمس قبلة للسجود بخلاف الحجر المعني فإنه ليس فيه ما يوهم الإلهية فكان المقصود من القبلة حاصلاً والمحذور المذكور زائلاً فكان هذا أولى واعلم أن مذهب الشافعي رضي الله عنه أن موضع السجود هو قوله تَعْبُدُونَ لأجل أن قوله وَاسْجُدُواْ لِلَّهِ متصل به وعند أبي حنيفة هو قوله وَهُمْ لاَ يَسْئَمُونَ لأن الكلام إنما يتم عنده
ثم إنه تعالى لما أمر بالسجود قال بعده فَإِنِ اسْتَكْبَرُواْ فَالَّذِينَ عِندَ رَبّكَ يُسَبّحُونَ لَهُ بِاللَّيْلِ وَالنَّهَارِ وَهُمْ لاَ يَسْئَمُونَ وفيه سؤالات
السؤال الأول إن الذين يسجدون للشمس والقمر يقولون نحن أقل وأذل من أن يحصل لنا أهلية عبودية الله تعالى ولكنا عبيد للشمس وهما عبدان لله وإذا كان قول هؤلاء هكذا فكيف يليق أن يقال إنهم استكبروا عن السجود لله والجواب ليس المراد من لفظ الاستكبار ما ذكرتم بل المراد فإن استكبروا عن قبول قولك يا محمد في النهي عن السجود للشمس والقمر
السؤال الثاني أن المشبهة تمسكوا بقوله فَالَّذِينَ عِندَ رَبّكَ في إثبات المكان والجهة لله تعالى والجواب أنه يقال عند الملك من الجند كذا وكذا ولا يراد به قرب المكان فكذا ههنا ويدل عليه قوله ( أنا عند ظن عبدي بي وأنا عند المنكسرة قلوبهم لأجلي في مقعد صدق عند مليك مقتدر ) ويقال عند الشافعي رضي الله عنه إن المسلم لا يقتل بالذمي
السؤال الثالث هل تدل هذه الآية على أن الملك أفضل من البشر الجواب نعم لأنه إنما يستدل بحال الأعلى على حال الأدون فيقال هؤلاء الأقوام إن استكبروا عن طاعة فلان فالأكابر يخدمونه ويعترفون بتقدمه فثبت أن هذا النوع من الاستدلال إنما يحسن بحال الأعلى على حال الأدون
السؤال الرابع قال ههنا في صفة الملائكة يَسْبَحُونَ الَّذِينَ يُنفِقُونَ فهذا يدل على أنهم مواظبون على التسبيح لا ينفكون عنه لحظة واحدة واشتغالهم بهذا العمل على سبيل الدوام يمنعهم من الاشتغال بسائر الأعمال ككونهم ينزلون إلى الأرض كما قال نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الاْمِينُ عَلَى قَلْبِكَ ( الشعراء ١٩٣ ١٩٤ ) وقال وَنَبّئْهُمْ عَن ضَيْفِ إِبْرَاهِيمَ ( الحجر ٥١ ) وقوله تعالى عَلَيْهَا مَلَئِكَة ٌ غِلاَظٌ شِدَادٌ ( التحريم ٦ ) الجواب إن الذين ذكرهم الله تعالى ههنا بكونهم مواظبين على التسبيح أقوام معينون من الملائكة وهم الأشراف الأكابر منهم لأنه تعالى وصفهنم بكونهم عنده والمراد من هذه العندية كمال الشرف والمنقبة وهذا لا ينافي كون طائفة أخرى من الملائكة مشتغلين بسائر الأعمال فإن قالوا هب أن الأمر كذلك إلا أنهم لا بد وأن يتنفسوا فاشتغلهم بذلك التنفس يصدهم عن تلك الحالة من التسبيح قلنا كما أن التنفس سبب لصلاح حال الحياة بالنسبة إلى البشر فذكر الله تعالى سبب لصلاح حالهم في حياتهم ولا يجب على العاقل المنصف أن يقيس أحوال الملائكة في صفاء جوهرها وإشراق ذواتها واستغراقها في معارج معارف الله بأحوال البشر فإن بين الحالتين بعد المشرقين
ثم قال تعالى وَمِنْ ءايَاتِهِ أَنَّكَ تَرَى الاْرْضَ خَاشِعَة ً
واعلم أنه تعالى لما ذكر الآيات الأربع الفلكية وهي الليل والنهار والشمس والقمر أتبعها بذكر آية


الصفحة التالية
Icon