الأول نقل عن ابن عباس رضي الله عنه أنه قال ( لا نبي صاحب كتاب إلا وقد أوحي إليه حم عشق ) وهذا عندي بعيد
الثاني أن يكون المعنى مثل الكتاب المسمى بحم عسق يوحي الله إليك وإلى الذين من قبلك وهذه المماثة المراد منها المماثلة في الدعوة إلى التوحيد والعدل والنبوة والمعاد وتقبيح أحوال الدنيا والترغيب في التوجه إلى الآخرة والذي يؤكد هذا أنا بينا في سورة سَبِّحِ اسْمَ رَبّكَ الاَعْلَى ( الأعلى ١ ) أو أولها في تقرير التوحيد وأوسطها في تقرير النبوة وآخرها في تقرير المعاد ولما تمم الكلام في تقرير هذه المطالب الثلاثة قال إِنَّ هَاذَا لَفِى الصُّحُفِ الاْولَى صُحُفِ إِبْراهِيمَ وَمُوسَى ( الأعلى ١٨ ١٩ ) يعني أن المقصود من إنزال جميع الكتب الإلهية ليس إلا هذه المطالب الثلاثة فكذلك ههنا يعني مثل الكتاب المسمى بحم عسق يوحي الله إليك وإلى كل من قبلك من الأنبياء والمراد بهذه المماثلة الدعوة إلى هذه المطالب العالية والمباحث المقدسة الإلهية قال صاحب ( الكشاف ) ولم يقل أوحي إليك ولكن قال يُوحِى إِلَيْكَ على لفظ المضارع ليدل على أن إيحاء مثله عادته وقرأ ابن كثير كَذَلِكَ يُوحِى بفتح الحاء على ما لم يسم فاعله وهي إحدى الروايتين عن أبي عمرو وعن بعضهم نُوحِى بالنون وقرأ الباقون يُوحِى إِلَيْكَ وَإِلَى الَّذِينَ مِن قَبْلِكَ بكسر الحاء فإن قيل فعلى القراءة الأولى ما رافع اسم الله تعالى قلنا ما دل عليه بوحي كأن قائلاً قال من الموحي فقيل الله ونظيره قراءة السلمي وَكَذالِكَ زُيّنَ كَثِيرٍ مّنَ الْمُشْرِكِينَ قَتْلَ أَوْلَادِهِمْ شُرَكَاؤُهُمْ ( الأنعام ١٣٧ ) على البناء للمفعول ورفع شركاؤهم فإن قيل فما رافعه فيمن قرأ نُوحِى بالنون قلنا يرفع بالابتداء والعزيز وما بعده أخبار أو العَزِيزُ الحَكِيمُ صفتان والظرف خبره ولما ذلك أن هذا الكتاب حصل بالوحي بين أن الموحي من هو فقال إنه هو العزيز الحكيم وقد بينا في أول سورة حم المؤمن أن كونه عزيزاً يدل على كونه قادراً على ما لا نهاية له وكونه حكيماً يدل على كونه عالماً بجميع المعلومات عنياً عن جميع الحاجات فيحصل لنا من كونه عزيزاً حكيماً كونه قادراً على جميع المقدورات عالماً بجميع المعلومات غنياً عن جميع الحاجات ومن كان كذلك كانت أفعاله وأقواله حكمة وصواباً وكانت مبرأة عن العيب والعبث قال مصنف الكتاب قلت في قصيدة
الحمد لله دي الآلاء والنعم
والفضل والجود والإحسان والكرممنزّه الفعل عن عيب وعن عبث
مقدس الملك عن عزل وعن عدم والصفة الثالثة قوله لَّهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الاْرْضِ وهذا يدل على مطلوبين في غاية الجلال أحدهما كونه موصوفاً بقدرة كاملة نافذة في جميع أجزاء السموات والأرض على عظمتها وسعتها بالإيجاد والإعدام والتكوين والإبطال والثاني أنه لما بيّن بقوله لَّهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الاْرْضِ أن كل ما في السموات وما في الأرض فهو ملكه وملكله وجب أن يكون منزّهاً عن كونه حاصلاً في السموات وفي الأرض وإلا لزم كونه ملكاً لنفسه وإذا ثبت أنه ليس في شيء من لمسوات امتنع كونه أيضاً في العرش لأن كل ما سماك فهو سماء فإذا كان العرش موجوداً فوق السموات كان في الحقيقة سماء فوجب أن يكون كل ما كان حاصلاً في العرش ملكاً لله وملكاً له وفجب أن يكون منزّهاً عن كونه حاصلاً في العرش وإن قالوا إنه تعالى قال لَّهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وكلمة ما لا تتناول من يعقل قلنا هذا مدفوع من وجهين الأول ى ن


الصفحة التالية
Icon