لفظة ما واردة في حق الله تعالى قال تعالى وَالسَّمَاء وَمَا بَنَاهَا وَالاْرْضِ وَمَا طَحَاهَا ( الشمس ٥ ٦ ) وقال لاَ أَعْبُدُ مَا تَعْبُدُونَ وَلاَ أَنتُمْ عَابِدُونَ مَا أَعْبُدُ ( الكافرون ٢ ٣ ) والثاني أن صيغة من وردت في مثل هذه السورة قال تعالى إِن كُلُّ مَن فِى السَّمَاوَاتِ وَالاْرْضَ إِلاَّ اتِى الرَّحْمَنِ عَبْداً ( مريم ٩٣ ) وكلمة من لا شك أنها واردة في حق الله تعالى فدلّت هذه الآية على أن كل من في المسوات والأرض فهو عبد الله فلو كان الله موجوداً في السموات والأرض وفي العرش لكان هو من جملة من في المسوات فوجب أن يكون عبد الله ولما ثبت بهذه الآية أن كل من كان موجوداً في السموات والعرش فهو عبد لله وجب فيمن تقدست كبرياؤه عن تهمة العبودية أن يكون منزّهاً عن الكون في المكان والجهة والعرش والكرسي
والصفة الرابعة والخامسة قوله تعالى وَهُوَ الْعَلِى ُّ الْعَظِيمُ ولا يجوز أن يكون المراد بكونه علياً العلو في الجهة والمكان لما ثبتت الدلالة على فساده ولا يجوز أن يكون المراد من العظيم العظمة بالجثة وكبر الجسم لأن ذلك يقتضي كونه مؤلفاً من الأجزاء والأبعاض وذلك ضد قوله اللَّهُ أَحَدٌ ( الإخلاص ١ ) فوجب أن يكون المراد من العلي المتعالي عن مشابهة الممكنات ومناسبة المحدثات ومن العظيم العظمة بالقدرة والقهر بالاستعلاء وكمال الإلاهية
ثم قال تَكَادُ السَّمَاوَاتِ يَتَفَطَّرْنَ مِن فَوْقِهِنَّ وفيه مسائل
المسألة الأولى قرأ أبو عمرو وعاصم في رواية أبي بكر تَكَادُ بالتاء يَتَفَطَّرْنَ بالياء والنون وقرأ ابن كثير وابن عامر وحفص عن عاصم وحمزة تَكَادُ بالتاء يَتَفَطَّرْنَ بالياء والتاء وقرأ نافع والكسائي يَكَادُ بالياء يَتَفَطَّرْنَ أيضاً بالتاء قال صاحب ( الكشاف ) وروى يونس عن أبي عمرو قراءة غريبة تتفطرن بالتاءين مع النون ونظيرها حرف نادر روي في نوادر ابن الإعرابي الإبل تتشمسن
المسألة الثانية في فائدة قوله يَتَفَطَّرْنَ مِن فَوْقِهِنَّ وجوه الأول روى عكرمة عن ابن عباس أنه قال تَكَادُ السَّمَاوَاتِ يَتَفَطَّرْنَ مِن فَوْقِهِنَّ قال والمعنى أنها تكاد تتفطر من ثقل الله عليها
واعلم أن هذا القول سخيف ويجب القطع ببراءة ابن عباس عنه ويدل على فساده وجوه الأول أن قوله مِن فَوْقِهِنَّ لا يفهم منه ممن فوقهن وثانيها هب أنه يحمل على ذلك لكن لم قلتم إن هذه الحالة إنما حصلت من ثقل الله عليها ولم لا يجوز أن يقال إن هذه الحالة إنما حصلت من ثقل الملائكة عليها كما جاء في الحديث أنه ( ﷺ ) قال ( أطلت السماء وحق لها أن تئط ما فيها موضع شبر إلا وفيه ملك قائم أو راكع أو ساجد ) وثالثها لم لا يجوز أن يكون المراد تكاد السماوات تنشق وتنفطر من هيبة من هو فوقها فوقية بالإلاهية والقهر والقدرة فثبت بهذه الوجوه أن القول الذي ذكروه في غاية الفساد والركاكة والوجه الثاني في تأويل الآية ما ذكره صاحب ( الكشاف ) وهو أن كلمة الكفر إنما جاءت من الذين تحت السماوات وكان القياس أن يقال يتفطرن من تحتهن من الجهة التي جاءت منها الكلمة ولكنه بولغ في ذلك فقلب فجعلت مؤثرة في جهة الفوق كأنه قيل يكدن يتفطرن من الجهة التي فوقهن ودع الجهة التي تحتهن ونظيره في المبالغة قوله تعالى يُصَبُّ مِن فَوْقِ رُؤُوسَهُمْ الْحَمِيمُ يُصْهَرُ بِهِ مَا فِى بُطُونِهِمْ وَالْجُلُودُ ( الحج ١٩ ٢٠ ) فجعلل مؤثراً في أجزائه الباطنة الوجه الثالث في تأويل الآية أن يقال مِن فَوْقِهِنَّ أي من فوق الأرضين لأنه تعالى قال قبل هذه الآية لَّهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الاْرْضِ ثم قال تَكَادُ السَّمَاوَاتِ يَتَفَطَّرْنَ مِن فَوْقِهِنَّ