أي من فوق الأرضين والوجه الرابع في التأويل أن يقال معنى مِن فَوْقِهِنَّ أي من الجهة التي حصلت هذه السماوات فيها وتلك الجهة هي فوق فقوله مِن فَوْقِهِنَّ أي من الجهة الفوقانية التي هن فيها
المسألة الثالثة ااختلفوا في أن هذه الهيئة لم حصلت وفيه قولان الأول أنه تعالى لما بيّن أن الموحي لهذا الكتاب هو الله العزيز الحكيم بيّن وصف جلاله وكبريائه فقال تَكَادُ السَّمَاوَاتِ يَتَفَطَّرْنَ مِن فَوْقِهِنَّ أي من هيبته وجلالته والقول الثاني أن السبب في إثباتهم الولد لله لقوله تَكَادُ السَّمَاوَاتِ يَتَفَطَّرْنَ مِنْهُ ( مريم ٩٠ ) وههنا السبب فيه إثباتهم الشركاء لله لقوله بعد هذه الآية وَالَّذِينَ اتَّخَذُواْ مِن دُونِهِ أَوْلِيَاء والصحيح هو الأول ثم قال وَالْمَلَائِكَة ُ يُسَبّحُونَ بِحَمْدِ رَبّهِمْ وَيَسْتَغْفِرُونَ لِمَن فِى الاْرْضِ
واعلم أن مخلوقات الله تعالى نوعان عالم الجسمانيات وأعظمها السماوات وعالم الروحانيات وأعظمها الملائكة والله تعالى يقرر كمال عظمته لأجل نفاذ قدرته وهيبته في الجسمانيات ثم يردفه بنفاذ قدرته واستيلاء هيبته على الروحانيات والدليل عليه أنه تعالى قال في سورة عَمَّ يَتَسَاءلُونَ ( النبأ ١ ) لما أراد تقرير العظمة والكبرياء بدأ بذكر الجسمانيات فقال رَبّ السَّمَاوَاتِ وَالاْرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا الرَّحْمَنِ لاَ يَمْلِكُونَ مِنْهُ خِطَاباً ( النبأ ٣٧ ) ثم انتقل إلى ذكر عالم الروحانيات فقاال يَوْمَ يَقُومُ الرُّوحُ وَالْمَلَائِكَة ُ صَفّاً لاَّ يَتَكَلَّمُونَ إِلاَّ مَنْ أَذِنَ لَهُ الرَّحْمَنُ وَقَالَ صَوَاباً ( النبأ ٣٨ ) فكذلك القول في هذه الآية بين كمال عظمته باستيلاء هيبته على الجسمانيات فقال تَكَادُ السَّمَاوَاتِ يَتَفَطَّرْنَ مِن فَوْقِهِنَّ ثم انتقل إلى ذكر الروحانيات فقال وَالْمَلَائِكَة ُ يُسَبّحُونَ بِحَمْدِ رَبّهِمْ فهذا ترتيب شريف وبيان باهر
واعلم أن الموجودات على ثلاثة أقسام مؤثر لا يقبل الأثر وهو الله سبحانه وتعالى وهو أشرف الأقسام ومتأثر لا يؤثر وهو القابل وهو الجسم وهو أخس الأقسام وموجود يقبل الأثر من القسم الأول ويؤثر في القسم الثاني وهو الجواهر الروحانيات المقدسة وهو المرتبة المتوسطة إذا عرفت هذا فنقول الجواهر الروحانية لها تعلقان تعلق بعالم الجلال والكبرياء وهو تعلق القبول فإن الجلايا القدسية والأضواء الصمدية إذا أشرقت على الجواهر الروحانية استضاءت جواهرها وأشرقت ماهياتها ثم إن الجواهر الروحانية إذا استفادت تلك القوى الروحانية قويت بها على الاستيلاء على عوالم الجسمانيات وإذا كان كذلك فلها وجهان وجه إلى جانب الكبرياء وحضرة الجلال ووجه إلى عالم الأجسام والوجه الأول أشرف من الثاني إذا عرفت هذا فنقول
قوله تعالى يُسَبّحُونَ بِحَمْدِ رَبّهِمْ إشارة إلى الوجه الذي لهم إلى عالم الجلال والكبرياء وقوله وَيَسْتَغْفِرُونَ لِمَن فِى الاْرْضِ إشاارة إلى الوجه الذي لهم إلى عالم الأجسام فما أحسن هذه اللطائف وما أشرفها وما أشد تأثيرها في جذب الأرواح من حضيض الخلق إلى أوج معرفة الحق إذا عرفت هذا فنقول أما الجهة الأولى وهي الجهة العلوية المقدسة فقد اشتملت على أمرين أحدهما التسبيح وثانيهما التحميد لأن قوله يُسَبّحُونَ بِحَمْدِ رَبّهِمْ يفيد هذين الأمرين والتسبيح مقدم على التحميد لأن التسبيح عبارة عن تنزيه الله تعالى عما لا ينبغي والتحميد عبارة عن وصفه بكونه مفيضاً لكل الخيرات وكونه منزّهاً في ذاته عما لا ينبغي مقدم بالرتبة على كونه فياضاً للخيرات والسعادات لأن وجود الشيء مقدم على إيجاد