( الإسراء ٨٥ )
المسألة الثانية تقدير الآية كأنه قال قل يا محمد وَمَا اخْتَلَفْتُمْ فِيهِ مِن شَى ْء فَحُكْمُهُ إِلَى اللَّهِ والدليل عليه قوله تعالى ذَلِكُمُ اللَّهُ رَبّى عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَإِلَيْهِ أُنِيبُ
المسألة الثالثة احتج نفاة القياس بهذه الآية فقالوا قوله تعالى وَمَا اخْتَلَفْتُمْ فِيهِ مِن شَى ْء فَحُكْمُهُ إِلَى اللَّهِ إما أن يكون المراد فحكمه مستفاد من نص الله عليه أو المراد فحكمه مستفاد من القياس على ما نص الله عليه والثاني باطل لأنه يقتضي كون كل الأحكام مثبتة بالقياس بأنه باطل فيعتبر الأول فوجب كون كل الأحكام مثبتة بالنص وذلك ينفي العمل القياس ولقائل أن يقوم لم لا يجوز أن يكون المراد فحكمه يعرف من بيان الله تعالى سواء كان ذلك البيان بالنص أو بالقياس أجيب عنه بأن المقصود من التحاكم إلى الله قطع الاختلاف والرجوع إلى القياس يقوي حكم الاختلاف ولا يوضحه فوجب أن يكون الواجب هو الرجوع إلى نصوص الله تعالى
ثم قال تعالى ذَلِكُمُ اللَّهُ رَبّى أي ذالكم الحاكم بينكم هو ربي عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ في دفع كيد الأعداء وفي طلب كل خير وَإِلَيْهِ أُنِيبُ أي وإليه أرجع في كل المهمات وقوله عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ يفيد الحصر أي لا أتوكل إلا عليه وهو إشارة إلى تزييف طريقة من اتخذ غير الله ولياً
ثم قال فَاطِرَ السَّمَاوَاتِ وَالاْرْضَ قرىء بالرفع والجر فالرفع على أنه خبر ذلاكم أو خبر مبتدأ محذوف والجر على تقدير أن يكون الكلام هكذا وما اختلفتم فيه من شيء فحكمه إلى الله فاطر السماوات والأرض وقوله ذَلِكُمُ اللَّهُ رَبّى اعتراض وقع بين الصفة والموصوف جَعَلَ لَكُمْ مّنْ أَنفُسِكُمْ من جنسكم من الناس أَزْواجاً وَمِنَ الاْنْعَامِ أَزْواجاً أي خلق من الأنعام أزواجاً ومعناه وخلق أيضاً للأنعام من أنفسها أزواجاً يَذْرَؤُكُمْ أي يكثركم يقال ذرأ الله الخلق أي كثرهم وقوله فِيهِ أي في هذا التدبير وهو اللتزويج وهو أن جعل الناس والأنعام أزواجاً حتى كان بين ذكورهم وإناثهم التوالد والتناسل والضمير في يَذْرَؤُكُمْ يرجع إلى المخاطبين إلى أنه غلب فيه جانب الناس من وجهين الأول أنه غلب فيه جانب العقلاء على غير العقلاء الثاني أنه غلب فيه جانب المخاطبين على الغائبين فإن قيل ما معنى يذرؤكم في هذا التدبير ولم لم يقل يذرؤكم به قلنا جعل هذا التدبير كالمنبع والمعدن لهذا التكثير ألا ترى أنه يقال للحيوان في خلق الأزواج تكثير كما قال تعالى وَلَكُمْ فِي الْقِصَاصِ حَيَواة ٌ ( البقرة ١٧٩ )
ثم قال تعالى لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَى ْء وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ وهذه الآية فيها مسائل
المسألة الأولى احتج علماء التوحيد قديماً وحديثاً بهذه الآية في نفي كونه تعالى جسماً مركباً من الأعضاء والأجزاء وحاصلاً في المكان والجهة وقالوا لو كان جسماً لكان مثلاً لسائر الأجسام فيلزم حصول الأمثال والأشباه له وذلك باطل بصريح قوله تعالى لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَى ْء ويمكن إيراد هذه الحجة على وجه آخر فيقال إما أن يكون المراد لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَى ْء في ماهيات الذات أو أن يكون المراد ليس كمثله في الصفات شيء والثاني باطل لأن العباد يوصفون بكونهم عالمين قادرين كما أن الله تعالى يوسف بذلك وكذلك يوصفون بكونهم معلومين مذكورين مع أن الله تعالى يوصف بذلك فثبت أن المراد بالمماثلة


الصفحة التالية
Icon