وأقول هذا المسكين الجاهل إنما وقع في أمثال هذه الخرافات لأنه لم يعرف حقيقة المثلين وعلماء التوحيد حققوا الكلام في المثلين ثم فرعوا عليه الاستدلال بهذه الآية فنقول المثلان هما اللذان يقوم كل واحد منهما مقام الآخر في حقيقته وماهيته وتحقيق الكلام فيه مسبوق بمقدمة أخرى فنقول المعتبر في كل شيء إما تمام ماهيته وإما جزء من أجزاء ماهيته وإما أمر خارج عن ماهيته ولكنه من لوازم تلك الماهية وأما أمر خارج عن ماهيته ولكنه ليس من لوازم تلك الماهية وهذا التقسيم مبني على الفرق بين ذات الشيء وبين الصفات القائمة به وذلك معلوم بالبديهة فإنا نرى الحبة من الحصرم كانت في غاية الخضرة والحموضة ثم صارت في غاية السواد والحلاوة فالذات باقية والصفات مختلفة والذات الباقية مغايرة للصفات المختلفة وأيضاً نرى الشعر قد كان في غاية السواد ثم صار في غاية البياض فالذات باقية والصفات متبدلة والباقي غير المتبدل فظهر بما ذكرنا أن الذوات مغايرة للصفات إذا عرفت هذا فنقول اختلاف الصفات لا يوجب اختلاف الذوات البتة لأنا نرى الجسم الواحد كان ساكناً ثم يصير متحركاً ثم يسكن بعد ذلك فالذوات باقية في الأحوال كلها على نهج واحد ونسق واحد والصفات متعاقبة متزايلة فثبت بهذا أن اختلاف الصفات والأعراض لا يوجب اختلاف الذوات إذا عرفت هذا فنقول الأجسام منها تألف وجه الكلب والقرد مساوية للأجسام التي تألف منها وجه الإنسان والفرس وإنما حصل الاختلاف إنما وقع بسبب الاختلاف في الصفات والأعراض فأما ذوات الأجسام فهي متماثلة إلا أن العوام لا يعرفون الفرق بين الذوات وبين الصفات فلا جرم يقولون إن وجه الإنسان مخالف لوجه الحمار ولقد صدقوا فإنه حصلت تلك بسبب الشكل واللون وسائر الصفات فأما الأجسام من حيث إنها أجسام فهي متماثلة متساوية فثبت أن الكلام الذي أورده إنما ذكره لأجل أنه كان من العوام وما كان يعرف أن المعتبر في التماثل والاختلاف حقائق الأشياء وماهياتها لا الأعراض والصفات القائمة بها بقي ههنا أن يقال فما الدليل على أن الأجسام كلها متماثلة فنقول لنا ها هنا مقامان
المقام الأول أن نقول هذه المقدمة إما أن تكون مسلمة أو لا تكون مسلمة فإن كانت مسلمة فقد حصل المقصود وإن كانت ممنوعة فنقول فلم لا يجوز أن يقال إله العالم هو الشمس أو القمر أو الفلك أو العرش أو الكرسي ويكون ذلك الجسم مخالفاً لماهية سائر الأجسام فكان هو قديماً أزلياً واجب الوجود وسائر الأجسام محدثة مخلوقة ولو أن الأولين والآخرين اجتمعوا على أن يسقطوا هذا الإلزام عن المجسمة لا يقدرون عليه فإن قالوا هذا بالطل لأن القرآن دلّ على أن الشمس والقمر والأفلاك كلها محدثة مخلوقة فيقال هذا من باب الحماقة المفرطة لأن صحة القرآن وصحة نبوّة الأنبياء مفرعة على معرفة الإله فإثبات معرفة الإله بالقرآن وقول النبي لا يقوله عاقل يفهم ما يتكلم به
والمقام الثاني أن علماء الأصلو أقاموا البرهان القاطع على تماثل الأجسام في الذوات والقيقة وإذا ثبت هذا طهر أنه لو كان إله العالم جمساً لكانت ذاته مساوية لذوات الأجسام إلا أن هذا باطل بالعقل والنقل أما العقل فلأن ذاته إذا كانت مساوية لذوات سائر الأجسام وجب أن يصح عليه ما يصح على سائر الأجسام فيلزم كونه محدثاً مخلوقاً قابلاً للعدم والفناء قابلاً للتفرق والتمزق وأما النقل فقوله تعالى لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَى ْء فهذا تمام الكلام في تقرير هذا الدليل وعند هذا يظهر أنا لا نقول بأنه متى حصل الاستواء في