ولنرجع إلى التفسير أورد صاحب ( الكشاف ) على نفسه سؤالاً فقال هلا قيل إلا مودة القربى أو إلا مودة للقربى وما معنى قوله إِلاَّ الْمَوَدَّة َ فِى الْقُرْبَى وأجاب عنه بأن قال جعلوا مكاناً للمودة ومقراً لها كقوله لي في آل فلان مودة ولي فيهم هوى وحب شديد تريد أحبهم وخم مكان حبي ومحله
ثم قال تعالى وَمَن يَقْتَرِفْ حَسَنَة ً نَّزِدْ لَهُ فِيهَا حُسْناً قيل نزلت هذه الآية في أبي بكر رضي الله عنه والظاهر العموم في أي حسنة كانت إلا أنها لما ذكرت عقيب ذكر المودة في القربى ذل ذلك على أن المقصود التأكيد في تلك المودة
ثم قال تعالى إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ شَكُورٌ والشكور في حق الله تعالى مجاز والمعنى أنه تعالى يحسن إلى المطيعين في إيصال الثواب إليهم وفي أن يزيد عليه أنواعاً كثيرة من التفضيل
وقال تعالى أَمْ يَقُولُونَ فَتَرَى عَلَى اللَّهِ كَذِبًا واعلم أن الكلام في أول السورة إنما اتبدىء في تقرير أن هذا الكتاب إنما حصل بوحي الله وهو قوله تعالى كَذَلِكَ يُوحِى إِلَيْكَ وَإِلَى الَّذِينَ مِن قَبْلِكَ اللَّهُ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ ( الشورى ٣ ) واتصل الكلام في تقرير هذا المعنى وتعلق البعض بالبعض حتى وصل إلى ههنا ثم حكى ههنا شبهة القوم وهي قولهم إن هذا ليس وحياً من الله تعالى فقال أَمْ مِمَّنِ افْتَرَى عَلَى اللَّهِ كَذِبًا قال صاحب ( الكشاف ) أم منقطعة ومعنى الهمزة نفس التوبيخ كأنه قيل أيقع في قلوبهم ويجري في ألسنتهم أن ينسبوا مثله إلى الافتراء على الله الذي هو أقبح أنواع الفرية وأفحشها ثم أجاب عنه بأن قال فَإِن يَشَإِ اللَّهُ يَخْتِمْ عَلَى قَلْبِكَ وفيه وجوه الأول قال مجاهد يربط على قلبك بالصبر على أذاهم حتى لا يشق عليك قولهم إن مفتر كذاب والثاني يعني بهذا الكلام أنه إن يشأ الله يجعلك من المختوم على قلوبهم حتى يفتري عليه الكذب فإن لا يجترىء على افتراء الكذب على الله إلا من كان في مثل هذه الحالة والمقصود من ذكر هذا الكلام المبالغة في تقرير الاستبعاد ومثاله أن ينسب رجل بعض الأمناء إلى الخيانة فيقول الأمين لعلّ الله خذلني لعلّ الله أعمى قلبي وهو لا يريد إثبات الخذلان وعمى القلب لنفسه وإنما يريد استبعاد صدور الخيانة عنه
ثم قال تعالى وَيَمْحُ اللَّهُ الْبَاطِلَ وَيُحِقُّ الْحَقَّ أي ومن عادة الله إبطال الباطل وتقرير الحق فلو كان محمد مبطلاً كذاباً لفضحه الله ولكشف عن باطله ولما أيده بالقوة والنصرة ولما لم يكن الأمر كذلك علمنا أنه ليس من الكاذبين المفترين على الله ويجوز أن يكون هذا وعداً من الله لرسوله بأنه يمحو الباطل الذي هم عليه من البهت والفرية والتكذيب ويثبت الحق الذي كان محمد ( ﷺ ) عليه
ثم قال إِنَّهُ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ أي إن الله عليم بما في صدرك وصدورهم فيجري الأمر على حسب ذلك وعن قتادة يختم على قلبك ينسيك القرآن ويقطع عنك الوحي بمعنى لو افترى على الله الكذب لفعل الله به ذلك
واعلم أنه تعالى لما قال أَمْ يَقُولُونَ افْتَرَى عَلَى اللَّهِ كَذِباً ثم برأ رسوله مما أضافوه إليه من هذا وكان من المعلوم أنهم قد استحقوا بهذه الفرية عقاباً عظيماً لا جرم ندبهم الله على التوبة وعرفهم أنه يقبلها من كل مسيء وإن عظمت إساءته فقال وَهُوَ الَّذِى يَقْبَلُ التَّوْبَة َ عَنْ عِبَادِهِ وَيَعْفُواْ عَنِ السَّيّئَاتِ وفي هذه الآية مسائل


الصفحة التالية
Icon