المسألة الأولى قال صاحب ( الكشاف ) يقال قبلت منه الشيء وقبلته عنه فمعنى قبلته منه أخذته منه وجعلته مبدأ قبلو ومنشأه ومعنى قبلته عنه أخذته وأثبته عنه وقد سبق البحث المستقصى عن حقيقة التوبة في سورة البقرة وأقل ما لا بد منه الندم على الماضي والترك في الحال والعزم على أن لا يعود إليه في المستقبل وروى جابر أن أعرابياً دخل مسجد رسول الله ( ﷺ ) وقال اللّهم إني أستغفرك وأتوب إليك وكبر فلما فرغ من صلاته قال له علي عليه السلام يا هذا إن سرعة اللسان بالاستغفار توبة الكذابين فتوبتك تحتاج إلى توبة فقال يا أمير المؤمنين وما التوبة فقال اسم يقع على ستة أشياء على الماضي من الذنوب الندامة ولتضييع الفرائض الإعادة ورد المظالم وإذابة النفس في الطاعة كما ربيتها في المعصية وإذاقة النفس مرارة الطاعة كما أذقتها حلاوة المعصية والبكاء بدل كل ضحك ضحكته
المسألة الثانية قالت المعتزلة يجب على الله تعالى عقلاً قبول التوبة وقال أصحابنا لا يجب على الله شيء وكل ما يفعله فإنما يفعله بالكرم والفضل واحتجوا على صحة مذهبهم بهذه الآية فقالوا إنه تعالى تمدح بقبول التوبة ولو كان ذلك القبول واجباً لما حصل التمدح العظيم ألا ترى أن من مدح نفسه بأن لا يضرب الناس ظلماً ولا يقتلهم غضباً كان ذلك مدحاً قليلاً أما إذا قال إني أحسن إليهم مع أن ذلك لا يجب عليَّ كان ذلك مدحاً وثناءً
المسألة الثالثة قوله تعالى وَيَعْفُواْ عَنِ السَّيّئَاتِ إما أن يكون المراد منه أن يعفو عن الكبائر بعد الإتيان بالتوبة أو المراد منه أنه يعفو عن الصغائر أو المراد منته أنه يعفو عن الكبائر قبل التوبة والأول باطل وإلا لصار قوله وَيَعْفُواْ عَنِ السَّيّئَاتِ عين قوله وَهُوَ الَّذِى يَقْبَلُ التَّوْبَة َ والتكرار خلاف الأصل والثاني أيضاً باطل لأن ذلك واجب وأداء الواجب لا يتمدح به فبقي القسم الثالث فيكون المعنى أنه تارة يعفو بواسطة قبول التوبة وتارة يعفو ابتداء من غير توبة
ثم قال وَيَعْلَمُ مَا تَفْعَلُونَ قرأ حمزة والكسائي وحفص عن عاصم بالتاء على المخاطبة والباقون بالياء على المغايبة والمعنى أنه تعالى يعلمه فيثيبه على حسناته ويعاقبه على سيئاته
ثم قال وَيَسْتَجِيبُ الَّذِينَ ءامَنُواْ وَعَمِلُواْ الصَّالِحَاتِ وَيَزِيدُهُم مِن فَضْلِهِ وفيه قولان أحدهما الذين آمنوا وعملوا الصالحات رفع على أنه فاعل تقديره ويجيب المؤمنون الله فيما دعاهم إليه والثاني محله نصب والفاعل مضمر وهو الله وتقديره ويستجيب الله للمؤمنين إلا أنه حذف اللام كما حذف في قوله وَإِذَا كَالُوهُمْ ( المطففين ٣ ) وهذا الثاني أولى لأن الخبر فيما قبل وبعد عن الله لأن ما قبل الآية قوله تعالى وَهُوَ الَّذِى يَقْبَلُ التَّوْبَة َ عَنْ عِبَادِهِ وَيَعْفُواْ عَنِ السَّيّئَاتِ وما بعدها قوله وَيَزِيدَهُم مّن فَضْلِهِ فيزيد عطف على ويستجيب وعلى الأول ويجيب العبد ويزيد الله من فضله
أما من قال إن الفعل للذين آمنوا ففيه وجهان أحدهما ويجيب المؤمنون ربهم فيما دعاهم إليه والثاني يطيعونه فيما أمرهم به والاستجابة الطاعة
وأما من قال إن الفعل لله فقد اختلفوا فقيل يجيب الله دعاء المؤمنين ويزيدهم ما طلبوه من فضله فإن قالوا تخصيص المؤمنين بإجابة الدعاء هل يدل على أنه تعالى لا يجيب دعاء اكفار قلنا قال بعضهم لا يجوز لأن إجابة الدعاء تعظيم وذلك لا يليق بالكفار وقيل يجوز على بعض الوجوه وفائدة التخصيص أن


الصفحة التالية
Icon