الجسمانية ورأس جميع الخيرات هو حب الله والدار الآخرة فلهذا قال عليه السلام ( حب الدنيا رأس كل خطيئة )
ثم قال تعالى لرسوله قَالَ أُوْحِى لَوْ جِئْتُكُمْ بِأَهْدَى مِمَّا وَجَدتُّمْ عَلَيْهِ ءابَاءكُمْ أي بدين أهدى من دين آبائكم فعند هذات حكى الله عنهم أنهم قالوا إنا ثابتون على دين آبائنا لا ننفك عنه وإن جئتنا بما هو أهدى فَإِنَّمَا بِمَا أُرْسِلْتُمْ بِهِ كَافِرُونَ وإن كان أهدى مما كنا عليه فعند هذا لم يبق لهم عذر ولا علة فلهذا قال تعالى فَانتَقَمْنَا مِنْهُمْ فَانظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَة ُ الْمُكَذّبِينَ والمراد منه تهديد الكفار والله أعلم
وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ لاًّبِيهِ وَقَوْمِهِ إِنَّنِى بَرَآءٌ مِّمَّا تَعْبُدُونَ إِلاَّ الَّذِى فَطَرَنِى فَإِنَّهُ سَيَهْدِينِ وَجَعَلَهَا كَلِمَة ً بَاقِيَة ً فِى عَقِبِهِ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ بَلْ مَتَّعْتُ هَاؤُلاَءِ وَءَابَآءَهُمْ حَتَّى جَآءَهُمُ الْحَقُّ وَرَسُولٌ مُّبِينٌ وَلَمَّا جَآءَهُمُ الْحَقُّ قَالُواْ هَاذَا سِحْرٌ وَإِنَّا بِهِ كَافِرُونَ
اعلم أنه تعالى لما بيّن في الآية المتقدمة أنه ليس لأولئك الكفار داع يدعوهم إلى تلك الأقاويل الباطلة إلا تقليد الآباء والأسلاف ثم بيّن أنه طريق باطل ومنهج فاسد وأن الرجوع إلى الدليل أولى من الاعتماد على التقليد أردفه بهذه الآية والمقصود منها ذكر وجه آخر يدل على فساد القول بالتقليد وتقريره من وجهين الأول أنه تعالى حكى عن إبراهيم عليه السلام أنه تبرأ عن دين آبائه بناء على الدليل فنقول إما أن يكون تقليد الآباء في الأديان محرماً أو جائزاً فإن كان محرماً فقد بطل القول بالتقليد وإن كان جائزاً فمعلوم أن أشرف آباء العرب هو إبراهيم عليه السلام وذلك لأنهم ليس لهم فخر ولا شرف إلا بأنهم من أولاده وإذا كان كذلك فتقليد هذا الأب الذي هو أشرف الآباء أولى من تقليد سائر الآباء وإذا ثبت أن تقليده أولى من تقليد غيره فنقول إنه ترك دين الآباء وحكم بأن اتباع الدليل أولى من متابعة الآباء وإذا كان كذلك وجب تقليده في ترك تقليد الآباء ووجب تقليدعه في ترجيح الدليل على التقليد وإذا ثبت هذا فنقول فقد ظهر أن القول بوجوب التقليد يوجب المنع من التقليد وما أفضى ثبوته إلى نفيه كان باطلاً فوجب أن يكون القول بالتقليد باطلاً فهذا طريق رقيق في إبطال التقليد وهو المراد بهذه الآية
الوجه الثاني في بيان أن ترك التقليد والرجوع إلى متابعة الدليل أولى في الدنيا وفي الدين أنه تعالى بيّن أن إبراهيم عليه السلام لما عدل عن طريقة أبيه إلى متابعة الدليل لا جرم جعل الله دينه ومذهله باقياً في عقبه إلى يوم القيامة وأما أديان آبائه فقد اندرست وبطلت فثبت أن الرجوع إلى متابعة الدليل يبقى محمود الأثر إلى قيام الساعة وأن التقليد والإصرار ينقطع أثره ولا يبقى منه في الدينا خير ولا أير فثبت من هذين الوجهين أن متابعة الدليل وترك التقليد أولى فهذا بيان المقصود الأصلي من هذه الآية ولنرجع إلى تفسير ألفاظ الآية


الصفحة التالية
Icon