ثم قال تعالى وَلَن يَنفَعَكُمُ الْيَوْمَ إِذ ظَّلَمْتُمْ أَنَّكُمْ فِى الْعَذَابِ مُشْتَرِكُونَ فقوله إِنَّكُمْ في محل الرفع على الفاعلية يعني ولن ينفعكم اليوم كونكم مشتركين في العذاب والسبب فيه أن الناس يقولون المصيبة إذا عمت طابت وقالت الخنساء في هذا المعنى
ولولا كثرة الباكين حولي
على إخوانهم لقتلت نفسيولا يبكون مثل أخي ولكن
أعزي النفس عنه بالتأسي فبيّن تعالى أن حصول الشركة في ذلك العذاب لا يفيد التخفيف كما كان يفيده في الدنيا والسبب فيه وجوه الأول أن ذلك العذاب شديد فاشتغال كل واحد بنفسه يذهله عن حال الآخر فلا جرم الشركة لا تفيد الخفة الثاني أن قوماً إذا اشتركوا في العذاب أعان كل واحد منهم صاحبه بما قدر عليه فيحصل بسببه بعض التخفيف وهذا المعنى متعذر في القيامة الثالث أن جلوس الإنسان مع قرينه يفيده أنواعاً كثيرة من السلوة فبيّن تعالى أن الشيطان وإن كان قريناً إلا أن مجالسته في القيامة لا توجب السلوة وخفة العقنبة وفي كتاب ابن مجاهد عن ابن عامر قرأ إِذَا ظَّلَمْتُمْ أَنَّكُمْ بكسر الألف وقرأ الباقون أنكم بفتح الألف والله أعلم
أَفَأَنتَ تُسْمِعُ الصُّمَّ أَوْ تَهْدِى الْعُمْى َ وَمَن كَانَ فِى ضَلَالٍ مُّبِينٍ فَإِمَّا نَذْهَبَنَّ بِكَ فَإِنَّا مِنْهُم مُّنتَقِمُونَ أَوْ نُرِيَنَّكَ الَّذِى وَعَدْنَاهُمْ فَإِنَّا عَلَيْهِمْ مُّقْتَدِرُونَ فَاسْتَمْسِكْ بِالَّذِى أُوحِى َ إِلَيْكَ إِنَّكَ عَلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ وَإِنَّهُ لَذِكْرٌ لَّكَ وَلِقَوْمِكَ وَسَوْفَ تُسْألُونَ وَاسْئلْ مَنْ أَرْسَلْنَا مِن قَبْلِكَ مِن رُّسُلِنَآ أَجَعَلْنَا مِن دُونِ الرَّحْمَنِ ءَالِهَة ً يُعْبَدُونَ
اعلم أنه تعالى لما وصفهم في الآية المتقدمة بالعشي وصفهم في هذه الآية بالصمم والعمى وما أحسن هذا الترتيب وذلك لأن الإنسان في أول اشتغاله بطلب الدينا يكون كمن حصل بعينه رمد ضعيف ثم كلما كان اشتغاله بتلك الأعمال أكثركان ميله إلى الجسمانيات أشد وإعراضه عن الروحانيات أكمل لما ثبت في علوم العقل أن كثرة الأفعال توجب حصول الملكات الراسخة فينتقل الإنسان من الرمد إلى أن يصير أعشى فإذا واظب على تلك الحالة أياماً أخرى انتقل من كونه أعشى إلى كونه أعمى فهذا ترتيب حسن موافق لما ثبت بالبراهين اليقينية روي أنه ( ﷺ ) كان يجتهد في دعاء قومه وهم لا يزيدون إلا تصميماً على الكفر وتمادياً في الغي فقال تعالى أَفَأَنتَ تُسْمِعُ الصُّمَّ أَوْ تَهْدِى الْعُمْى َ يعني أنهم بلغوا في النفرة عنك وعن دينك إلى حيث إذا أسمعتهم القرآن كانوا كالأصم وإذا أريتهم المعجزات كانوا كالأعمى ثم بيّن


الصفحة التالية
Icon