واعلم أنه ليس الرجل من يرى وجه الاستدلال فيذكره إنما الرجل الذي ينظر فيما قبل الكلام وفيما بعده فإن رآه وارداً على مذهبه بعينه لم يذكره والله أعلم
المسألة الرابعة قرأ ابن مسعود مّن مَّالِ بحذف الكاف للترخيم فقيل لابن عباس إن ابن مسعود قرأ وَنَادَوْاْ يامَالِكُ مَّالِ فقال ما أشغل أهل النار عن هذا الترخيما واجيب عنه بأنه إنما حسن هذا الترخيم لأنه يدل على أنهم بلغوا في الضعف والنحافة إلى حيث لا يمكنهم أن يذكروا من الكلمة إلا بعضها
المسألة الخامسة اختلفوا في أن قولنم وَنَادَوْاْ يامَالِكُ لِيَقْضِ عَلَيْنَا رَبُّكَ على أي وجه طلبوا فقال بعضهم على التمني وقال آخرون على وجه الاستغاثة وإلا فهم عالمون بأنه لا خلاص لهم عن ذلك العقاب وقيل لا يبعد أن يقال إنهم لشدة ما هم فيه من العذاب نسوا تلك المسألة فذكروه على وجه الطلب ثم إنه تعالى بيّن أن مالكاً يقول لهم إِنَّكُمْ مَّاكِثُونَ وليس في القرآن متى أجابهم هل أجابهم في الحال أو بمدة طويلة فلا يمتنع أن تؤخر الإجابة استخفافاً بهم وزيادة في غمهم فعن عبد الله بن عمر بعد أربعين سنة وعن غيره بعد مائة سنة وعن ابن عباس بعد ألف سنة والله أعلم بذلك المقدار
ثم بيّن تعالى أن مالكاً لما أجابهم بقوله إِنَّكُمْ مَّاكِثُونَ ذكر بعده ما هو كالعلة لذلك الجواب فقال لَقَدْ جِئْنَاكُم بِالْحَقّ وَلَاكِنَّ أَكْثَرَكُمْ لِلْحَقّ كَارِهُونَ والمراد نفرتهم عن محمد وعن القرآن وشدة بغضهم لقبول الدين الحق فإن قيل كيف قال وَنَادَوْاْ يامَالِكُ مَالِكَ بعد ما وصفهم بالإبلاس قلنا تلك أزمنة متطاولة وأحقاب ممتدة فتختلف بهم الأحوال فيسكتون أوقاتاً لغلبة اليأس عليهم ويستغيثون أوقاتاً لشدة ما بهم روي أنه يلقى على أهل النار الجوع حتى يعدل ما هم فيه من العذاب فيقولون ادعوا مالكاً فيدعون وَنَادَوْاْ يامَالِكُ لِيَقْضِ عَلَيْنَا رَبُّكَ ولما ذكر الله تعالى كيفية عذابهم في الآخرة ذكر بعده كيفية مكرهم وفساد باطنهم في الدنيا فقال أَمْ أَبْرَمُواْ أَمْراً فَإِنَّا مُبْرِمُونَ والمعنى أم أبرموا أي مشركون مكة أمراً من كيدهم ومكرهم برسول الله فإنا مبرمون كيدنا كما أبرموا كيدهم كقوله تعالى أَمْ يُرِيدُونَ كَيْداً فَالَّذِينَ كَفَرُواْ هُمُ الْمَكِيدُونَ ( الطور ٤٢ ) قال مقاتل نزلت في تدبيرهم في المكر به في دار الندوة وهو ما ذكره الله تعالى في قوله تعالى وَإِذْ يَمْكُرُ بِكَ الَّذِينَ كَفَرُواْ ( الأنفال ٣٠ ) وقد ذكرنا القصة
ثم قال أَمْ يَحْسَبُونَ أَنَّا لاَ نَسْمَعُ سِرَّهُمْ وَنَجْواهُم السر ما حدث به الرجل نفسه أو غيره في مكان خال والنجوى ما تكلموا به فيما بينهم بَلَى نسمعها ونطلع عليها وَرُسُلُنَا يريد الحفظة يَكْتُبُونَ عليهم تلك الأحوال وعن يحيى بن معاذ من ستر من الناس ذنوبه وأبداها للذي لا يخفى عليه شيء في السموات فقد جعله أهون الناظرين إليه وهو من علامات النفاق


الصفحة التالية
Icon