جسم وإذا قلنا إن كانت الخمسة زوجاً كانت منقسمة بمتساويين فهذه شرطية حقة لكنها مركبة من قولنا لخمسة زوج ومن قولنا لخمسة منقسمة بمتساويين وهما باطلان وكونهم باطلين لا يمنع من أن كيون استلزام أحدهما للآخر حقاً وقد ذكرنا أن القضية الشرطية لا تفيد إلا مجرد الاستلزام وإذا قلنا إن كان الإنسان حجراً فهو جسم فهذ جسم فهذا أيضاً حق لكنها مركبة من شرط باطل وهو قولنا الإنسان حجر ومن جزء حق وهو قولنا الإنسان جسم وإنما جاز هذالأن الباطل قد يكون بحيث يلزم من فرض وقوعه وقوع حق فإنا فرضنا كون لإنسان حجراً وجب كونه جسماً فهذا شرط باطل يستلزم جزءاً حقاً
وأما القسم الرابع وهو تركيب قضية شرطية حقة من شرط حق وجزاء باطل فهذا محال لأن هذا التركيب يلزم منه كون الحق مستلزماً للباطل وذلك محال بخلاف القسم الثالث فإنه يلزم منه كون الباطل مستلزماً للحق وذلك ليس بمحال إذا عرفت هذا الأصل فلنرجع إلى الآية فنقول قوله إِن كَانَ الرَّحْمَنُ وَلَداً فَأَنَاْ أَوَّلُ الْعَابِدِينَ قضية شرطية حقة من شرط باطل ومن جزاء باطل لأن قولنا كان للرحمن ولد باطل وقولنا أنا أول العابدين لذلك الولد باطل أيضاً إلا أنا بينا أن كون كل واحد منهما باطلاً لا يمنع من أن يكون استلزام أحدهما للآخر حقاً كما ضربنا من المثال في قولنا إن كانت الخمسة زوجاً كانت منقسمة بمتساويين فثبت أن هذا لكلام لا امتناع في إجرائه على ظاهره ويكون المراد منه أنه إن كان للرحمن ولد فأنا أول العابدين لذلك الولد فإن لسلطان إذا كان له ولد فكما يجب على عبده أن يخدمه فكذلك يجب عليه أن يخدم ولده وقد بينا أن هذا التركيب لا يدل على الاعتراف بإثبات ولد أم لا
ومما يقرب من هذا الباب قوله لَوْ كَانَ فِيهِمَا الِهَة ٌ إِلاَّ اللَّهُ لَفَسَدَتَا ( الأنبياء ٢٢ ) فهذا الكلام قضية شرطية والشرط هو قولنا فِيهِمَا الِهَة ٌ والجزاء هو قولنا فسدتا فالشرط في نفسه باطل والجزاء أيضاً باطل لأن الحق أنه ليس فيهما آلهة وكلمة لو تفيد الشيء باتنفاء غيره لأنهما ما فسدتا ثم مع كون الشرط باطلاً وكون الجزاء باطلاً كان استلزام ذلك الشرط لهذا الجزء حقاً فكذا ههنا فإن قالوا الفرق أن هننا ذكر الله تعالى هذه الشرطية بصيغة لو فقال يُنشِرُونَ لَوْ كَانَ فِيهِمَا الِهَة ٌ وكلمة لو تفيد انتفاء الشيء لانتفاء غيره وأما في لآية التي نحن في تفسيرها إنما ذكر الله تعالى كلمة إن وهذه الكلمة لا تفيد انتفاء الشيء لانتفاء غيره بل هذه الكلمة تفيد الشك في أنه هل حصل الشرط أم لا وحصول هذا الشك للرسول غير ممكن قلنا القرف الذي ذكرتم صحيح إلا أن مقصودنا بيان أنه لا يلزم من كون الشرطية صادقة كون جزءيها صادقتين أو كذبتين على ما قررناه أما قوله إن لفظة أن تفيد حصول الشرط هل حصل أم لا قلنا هذا ممنوع فإن حرف ءن حرف الشرط وحرف الشرط لا يفيد كون الشرط مستلزماً للجزار وأما بيان أن ذلك الشرط معلوم الوقوع أو مشكوك الوقوع فاللفظ لا دلالة فيه عليه البتة فظهر من المباحث التي لخصناها أن الكلام ههنا ممكن الإجراء على ظاهره من جميع الوجوه وأنه لا حاجة فيه ألبتة إلى التأويل والمعنى أنه تعالى قال قُلْ يا محمد إِن كَانَ لِلرَّحْمَانِ وَلَدٌ فَأَنَاْ أَوَّلُ الْعَابِدِينَ لذلك الولد وأنا أول الخادمين له والمقصود من هذا الكلام بيان أنى لا أنكر ولده لأجل العناد والمنازعة فإن بتقدير أن يقوم الدليل على ثبوت هذا الولد كنت مقراً به معترفاً بوجوب خدمته إلا أنه لم يوجد هذا الولد ولم يقم الدليل على ثبوته ألبتة فكيف أقول به بل الدليل القاطع قائم على عدمه فكيف أقول به وكيف أعترف بوجوده وهذا الكلام ظاهر كامل لا حاجة به ألبتة إلى التأويل والعدول عن الظاهر فهذا ما عندي في هذ الموضع ونقل عن السدي من المفسرين أنه كان يقول حمل هذه الآية على ظاهرها ممكن ولا حاجة إلى لتأويل والتقرير الذي ذكرناه يدل على أن الذي قاله هو الحق أما القائلون بأنه لا بد من التأويل فقد ذكروا وجوهاً الأول قال الواحدي كثرت الوجوه في تفسير هذه الآية والأقوى أن يقال المعنى إِن كَانَ لِلرَّحْمَانِ وَلَدٌ في زعمكم فَأَنَاْ أَوَّلُ الْعَابِدِينَ أي الموحدين لله


الصفحة التالية
Icon