ثم قال تعالى وَلَئِن سَأَلْتَهُم مَّنْ خَلَقَهُمْ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ فَأَنَّى يُؤْفَكُونَ وفيه مسألتان
المسألة الأولى ظن قوم أن هذه الآية وأمثالها في القرآن تدل على أن القوم مضطرون إلى الاعتراف بوجود الإله للعالم قال الجبائي وهذا لا يصح لأن قوم فرعون قالوا لا إله لهم غيره وقوم إبراهيم قالوا وَإِنَّا لَفِى شَكّ مّمَّا تَدْعُونَنَا إِلَيْهِ ( إبراهيم ٩ ) فيقال لهم لا نسلم أن قوم فرعون كانوا منكرين لوجود الإله والدليل على قولنا قوله تعالى وَجَحَدُواْ بِهَا وَاسْتَيْقَنَتْهَا أَنفُسُهُمْ ظُلْماً ( النمل ١٤ ) وقال موسى لفرعون لَقَدْ عَلِمْتَ مَا أَنزَلَ هَؤُلاء إِلاَّ رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَالاْرْضَ بَصَائِرَ ( الإسراء ١٠٢ ) فالقراءة بفتح التاء في علمت تدل على أن فرعون كان عارفاً بالله وأما قوم إبراهيم حيث قالوا وَإِنَّا لَفِى شَكّ مّمَّا تَدْعُونَنَا إِلَيْهِ فهو مصروف إلى إثبات القيامة وإثبات التكاليف وإثبات النبوة
المسألة الثالثة اعلم أنه تعالى ذكر هذا الكلام في أول هذه السورة وفي آخرها والمقصود التنبيه على أنهم لما اعتقدوا أن خالق العالم وخالق الحيوانات هو الله تعالى فكيف أقدموا مع هذا الاعتقاد على عبادة أجسام خسيسة وأصنام خبيثة لا تضر ولا تنفع بل هي جمادات محضة
وأما قوله فَأَنَّى تُؤْفَكُونَ معناه لم تكذبون على الله فتقولون إن الله أمرنا بعبادة الأصنام وقد احتج بعض أصحابنا به على أن إفكهم ليس منهم بل من غيرهم بقوله فَأَنَّى تُؤْفَكُونَ وأجاب القاضي بأن من يضل في فهم الكلام أو في الطريق يقال له أين يذهب بك والمراد أين تذهب وأجاب الأصحاب بأن قول القائل أين يذهب بك ظاهره يدل على أن ذاهباً آخر ذهب به فصرف الكلام عن حقيقته خلاف الأصل الظاهر وأيضاً فإن الذي ذهب به هو الذي خلق تلك الداعية في قلبه وقد ثبت بالبرهان الباهر أن خالق تلك الداعية هو الله تعالى
ثم قال تعالى وَقِيلِهِ يارَبّ رَبّ إِنَّ هَؤُلاَء قَوْمٌ لاَّ يُؤْمِنُونَ وفيه مباحث
الأول قرأ الأكثرون وَقِيلِهِ بفتح اللام وقرأ عاصم وحمزة بكسر اللام قال الواحدي وقرأ أناس من غير السبعة بالرفع أما الذين قرؤا بالنصب فذكر الإخفش والفراء فيه قولين أحدهما أنه نصب على المصدر بتقدير وقال قيله وشكا شكواه إلى ربه يعني النبي ( ﷺ ) فانتصب قيله بإضمار قال والثاني أنه عطف على ما تقدم من قوله أَنَّا لاَ نَسْمَعُ سِرَّهُمْ وَنَجْواهُم وَقِيلِهِ ( الزخرف ٨٠ ) وذكر الزجاج فيه وجهاً ثالثاً فقال إنه نصب على موضع الساعة لأن قوله وَعِندَهُ عِلْمُ السَّاعَة ِ معناه أنه علم الساعة والتقدير علم الساعة وقيله ونظيره قولك عجبت من ضرب زيد وعمراً وأما القراءة يبالجر فقال الأخفش والفراء والزجاج إنه معطوف على الساعة أي عنده علم الساعة وعلم قيله يا رب قال المبرد العطف على المنصوب حسن وإن تباعد المعطوف من المعطوف عليه لأنه يجوز أن يفصل بين المنصوب وعامله والمجرور يجوز ذلك فيه على قبح وأما القراءة بالرفع ففيها وجهان الأول أن يكون وَقِيلِهِ مبتدأ وخبره ما بعده والثاني أن يكون معطوفاً على علم الساعة على تقدير حذف المضاف معناه وعنده علم الساعة وعلم قيله قال صاحب ( الكشاف ) هذه الوجوه ليست قوية في المعنى لا سيما وقوع الفصل بين المعطوف والمعطوف عليه بما لا يحسن اعتراضاً ثم ذكر وجهاً آخر وزعم أنه أقوى مما سبق وهو أن يكون النصب والجر على إضمار حرف القسم وحذفه والرفع على قولهم أيمن الله وأمانة الله ويمين الله يكون قوله إِنَّ هَؤُلاَء قَوْمٌ لاَّ يُؤْمِنُونَ جواب القسم كأنه قيل


الصفحة التالية
Icon