المفعول المطلق أو المكتوب الذي هو المفعول الرابع أن قوله فُصّلَتْ يدل على أن متصرفاً يتصرف فيه بالتفصيل والتمييز وذلك لا يليق بالقديم الخامس أنه إنما سمي قرآناً لأنه قرن بعض أجزائه بالبعض وذلك يدل على كونه مفعول فاعل ومجعول جاعل السادس وصفه عربيباً وإنما صحت هذه النسبة لأجل أن هذه الألفاظ إنما دخلت على هذه المعاني بحسب وضع العرب واصطلاحاتهم وما جعل بجعل جاعل وفعل فاعل فلا بدّ وأن يكون محدثاً ومخلوقاً الجواب أن كل هذه الوجوه التي ذكرتموها عائدة إلى اللغات وإلى الحروف والكلمات وهي عندنا محدثة مخلوقة إنما الذي ندعي قدمه شيء آخر سوى هذه الألفاظ والله أعلم
المسألة الثانية ذهب أكثر المتكلمين إلى أنه يجب على المكلف تنزيل ألفاظ القرآن على المعاني التي هي موضوعة لها بحسب اللغة العربية فأما حملها على معان أُخر لا بهذا الطريق فهذا باطل قطعاً وذلك مثل الوجوه التي يذكرها أهل الباطن مثل أنهم تارة يحملون الحروف على حساب الجمل وتارة يحملون كل حرف على شيء آخر وللصوفية طرق كثيرة في الباب ويسمونها علم المكاشفة والذي يدلل على فساد تلك الوجوه بأسرها قوله تعالى قُرْءاناً عَرَبِيّاً وإنما سماه عربياً لكونه دالاً على هذه المعاني المخصوصة بوضع العرب وباصطلاحاتهم وذلك يدل على أن دلالة هذه الألفاظ لم تحصل إلا على تلك المعاني المخصوصة وأن ما سواه فهو باطل
المسألة الثالثة ذهب قم إلى أنه حصلل في القرآن من سائر اللغات كقوله إِسْتَبْرَقٍ ( الكهف ٣١ ) و سِجّيلٍ ( هود ٨٢ ) فإنهما فارسيان وقوله مشكاة ( النور ٣٥ ) فإنها من لغة الحبشة وقوله قسطاس ( الإسراء ٣٥ ) فإنه من لغة الروم والذي يدل على فساد هذا المذهب قوله يَتَذَكَّرُونَ قُرْءاناً عَرَبِيّاً وقوله وَمَا أَرْسَلْنَا مِن رَّسُولٍ إِلاَّ بِلِسَانِ قَوْمِهِ ( إبراهيم ٤ )
المسألة الرابعة قالت المعتزلة لفظ الإيمان والكفر واللصلاة والزكاة والصوم والحج ألفاظ شرعية لا لغوية والمعنى أن الشرع نقل هذه الألفاظ عن مسمياتها اللغوية الأصلية إلى مسميات أخرى وعندنا أن هذا باطل وليس للشرع تصرف في هذه الألفاظ عن مسمياتها إلا من وجه واحد وهو أنه خصص هذه الأسماء بنوع واحد من أنواع مسمياتها مثلاً الإيمان عبارة عن التصديق فخصصه الشرع بنوع معين من التصديق والصلاة عبارة عن الدعاء فخصصه الشرع بنوع معين من الدعاء كذا القول في البواقي ودليلنا على صحة مذهبنا قوله تعالى قُرْءاناً عَرَبِيّاً وقوله وَمَا أَرْسَلْنَا مِن رَّسُولٍ إِلاَّ بِلِسَانِ قَوْمِهِ
المسألة الخامسة إنما وصف الله القرآن بكونه عَرَبِيّاً في معرض المدح والتعظيم وهذا المطلوب لا يتم إلا إذا ثبت أن لغة العرب أفضل اللغات
واعلم أن هذا المقصود إنما يتم إذا ضبطنا أقسام فضائل اللغات بضابط معلوم ثم بينا أن تلك الأقسام حاصلة فيه لا في غيره فنقول لا شك أن الكلام مركب من الكلمات المفردة وهي مركبة من الحروف فالكلمة لها مادة وهي الحروف ولها صورة وهي تلك الهيئة المعينة الحاصلة عند التركيب فهذه الفضيلة إنما تحصل إما بحسب مادتها أو بحسب صورتها أما التي بحسب مادتها فهي آحاد الحروف واعلم أن


الصفحة التالية
Icon