الحروف على قسمين بعضها بينة المخارج ظاهرة المقاطع وبعضهاا خفية المخارج مشتبهة المقاطع وحروف العرب بأسرها ظاهرة المخارج بينة المقاطع ولا يشتبه شيء منها بالآخر وأما الحروف المستعملة في سائر اللغات فليست كذلك بل قد يحصل فيها حرف يشتبه بعضها بالبعض وذلك يخل بكمال الفصاحة وأيضاً الحركات المستعملة في سائر لغة العرب حركات ظاهرة جلية وهي النصب والرفع والجر وكل واحد من هذه الثلاثة فإنه يمتاز عن غيره امتيازاً ظاهراً جلياً وأما الإشمام والروم فيقل حصولهما في لغات العرب وذلك أيضاً من جنس ما يوجب الفصاحة وأما الكلمات الحاصلة بحسب التركيب فهي أنواع
أحدها أن الحروف على قسمين متقاربة المخرج ومتباعدة المخرج وأيضاً الحروف على قسمين منها صلبة ومنها رخوة فيحصل من هذا التقسيم أقسام أربعة الصلبة المتقاربة واالرخوة المتقاربة والصلبة المتباعدة والرخوة المتباعدة فإذا توالى في الكلمة حرفان صلبان متقاربان صعب اللفظ بها لأن بسبب تقارب المخرج يصير التلفظ بها جارياً مجرى ما إذا كان الإنسان مقيداً ثم يمشي وبسبب صلابة تلك الحروف تتوارد الأعمال الشاقة القوية على الموضع الواحد من المخرج وتوالي الأعمال الشاقة يوجب الشضعف والإعياء ومثل هذا التركيب في اللغة العربية قليل وثانيها أن جنس بعض الحروف ألذ وأطيب في السمع وكل كلمة يحصل فيها حرف من هذا الجنس كان سماعها أطيب وثالثها الوزن فنقول الكلمة إما أن تكون ثنائية أو ثلاثية أو رباعية وأعدلها هو الثلاثي لأن الصوت إنما يتولد بسبب الحركة والحركة لا بد لها من مبدأ ووسط ومنتهى فهذه ثلاث مراتب فالكلمة لا بد وأن يحصل فيها هذه المراتب الثلاثة حتى تكون تامة أما الثانائية فهي ناقصة وأما الرباعية فهي زائدة والغائب في كلام العرب الثلاثيات فثبت بما ذكرنا ضبط فصائل اللغات والاستقراء يدل على أن لغة العرب موصوفة بها وأما سائر اللغات فليست كذلك والله أعلم
المسألة السادسة قوله لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ يعني إنما جعلناه عَرَبِيّاً لأجل أن يعلموا المراد منه والقائلون بأن أفعال الله معللة بالمصالح والحكم تمسكوا بهذه الآية وقالوا إنها تدل على أنه إنما جعله عَرَبِيّاً لهذه الحكمة فهذا يدل على أن تعليل أفعال الله تعالى وأحكامه جائز
المسألة السابعة قال قوم القرآن كله غير معلوم بل فيه ما يعلم وفيه ما لا يعلم وقال المتكلمون لا يجوز أن يحصل فيه شيء غير معلوم والدليل عليه قوله تعالى كِتَابٌ فُصّلَتْ ءايَاتُهُ قُرْءاناً يعني إنما جعلناه عربياً ليصير معلوماً والقوم بأنه غير معلوم يقدح فيه
المسألة الثامنة قوله تعالى فَأَعْرَضَ أَكْثَرُهُمْ فَهُمْ لاَ يَسْمَعُونَ يدل على أن الهادي من هداه الله وأن الضال من أضله الله وتقريره أن الصفات التسعة المذكورة للقرآن توجب قوة الاهتمام بمعرفته وبالوقوف على معانيه لأنا بينا أن كونه نازلاً من عند الإله الرحمن الرحيم يدل على اشتماله على أفضل المنافع وأجل المطالب وكونه قُرْءاناً عَرَبِيّاً مفصلاً يدل على أنه في غاية الكشف والبيان وكونه بَشِيراً وَنَذِيراً يدل على أن الاحتياج إلى فهم ما فيه من أهم المهمات لأن سعي الإنسان في معرفة ما يوصله إلى الثواب أو إلى العقاب من أهم المهمات وقد حصلت هذه الموجبات اللثلاثة في تأكيد الرغبة في فهم القرآن وفي شدة الميل إلى الإحاطة به ثم مع ذلك فقد أعرضوا عنه ولم يلتفتوا إليه ونبذوه وراء ظهورهم وذلك يدل على