ذكر أهل الأثر أنه تعالى خلق الأرض في يوم الأحد والإثنين وخلق سائر ما في الأرض في يوم الثلاثاء والأربعاء وخلق السموات وما فيها في يوم الخميس والجمعة وفزع في آخر ساعة من يوم الجمعة فخلق فيها آدم وهي الساعة التي تقوم فيها القيامة فإن قيل اليوم عبارة عن النهار والليل وذلك إنما يحصل بسبب طلوع الشمس وغروبها وقبل حدوث السموات والشمس والقمر كيف يعقل حصول اليوم قلنا معناه إنه مضى من المدة ما لوم حصل هناك فلك وشمس لكان المقدار مقدراف بيوم
ثم قال تعالى وَأَوْحَى فِى كُلّ سَمَاء أَمْرَهَا قال مقاتل أمر في كل سماء بما أراد وقال قتادة خلق فيها شمسها وقمرها ونجومها وقال السدي خلق في كل سماء خلقها من الملائكة وما فيها من البحار وجبال البرد قال والله في كل سماء بيت يحج إليه ويطوف به الملائكة كل واحد منها مقابل الكعبة ولو وقعت منه حصاة ما وقعت إلا على الكعبة والأقرب أن يقال قد ثبت في علم النحو أنه يكفي في حسن الإضافة أدنى سبب والله تعالى على أهل كل سماء تكليف خاص فمن الملائكة من هو في القيام في أول خلق العالم إلى قيام القيامة ومنهم ركوع لا ينتصبون ومنهم سجود لا يرفعون وإذا كان ذلك الأمر مختصاً بأهل ذلك السماء كان ذلك الأمر مختصاً بتلك السماء وقوله تعالى وَأَوْحَى فِى كُلّ سَمَاء أَمْرَهَا أي وكان قد خص كل سماء بالأمر المضاف إليها كقوله وَكَم مّن قَرْيَة ٍ أَهْلَكْنَاهَا فَجَاءهَا بَأْسُنَا ( الأعرف ٤ ) والمعنى فكان قد جاءها هذا ما نقله الواحدي وهو عندي ضعيف لأن تقدير الكلام ثم كان قد استوى إلى السماء وكان قد أوحى وهذا جمع بين الضدين لأن كلمة ثم تقتضي التأخير وكلمة كان تقتضي التقديم فالجمع بينهما تفيد التناقض ونظيره قول القائل ضربت اليوم زيداً ثم ضربت عمراً بالأمس فكما أن هذا باطل فكذا ما ذكرتموه وإنما يجوز تأويل كلام الله بما لا يؤدي إلى وقوع التناقض والركاكة فيه والمختار عند أي يقال خلق السموات مقدم على خلق الأرض بقي أن يقال كيف تأويل هذه الآية فنقول الخلق ليس عبارة عن التكوين والإيجاد بل هو عبارة عن التقدير والتقدير حق الله تعالى هو حكمه بأنه سيوجده وقضاؤه بذلك وإذا ثبت هذا فنقول قوله خَلَقَ الاْرْضَ فِى يَوْمَيْنِ معناه أنه قضى بحدوثه في يومين وقضاء الله بأنه سيحدث كذا في مدة كذا لا يقتضي حدوث ذلك الشيء في الحال فقضاء الله تعالى بحدوث الأرض في يومين قد تقدم على إحداث السماء ولا يزم منه تقدم إحداث الأرض على إحدث السماء وحينئذٍ يزول السؤال فهذا ما وصلت إليه في هذه الموضع المشكل
ثم قال تعالى فَقَالَ لَهَا وَلِلاْرْضِ ائْتِيَا طَوْعاً أَوْ كَرْهاً قَالَتَا أَتَيْنَا طَائِعِينَ
واعلم أن ظاهر هذا الكلام يقتضي أن الله تعالى أمر السماء والأرض بالإتيان فأطاعا وامتثلا وعند هذا حصل في الآية قولان
القول الأول أن تجري هذه الآية على ظاهرنا فنقول إن الله تعالى أمرهما بالإتيان فأطاعاه قال القائلون بهذا القول وهذا غير مستبعد ألا ترى أنه تعالى أمر الجبال أن تنطق مع داود عليه السلام فقال فَضْلاً ياجِبَالُ أَوّبِى مَعَهُ وَالطَّيْرَ


الصفحة التالية
Icon