الجهل الثاني باختياره أيضاً لزم التسلسل وهو محال فلا بد من انتهاء تلك الجهالات إلى جهل يحصل فيه لا باختياره وهو المطلوب ولما وصف الله كفرهم قال فَأَخَذَتْهُمْ صَاعِقَة ُ الْعَذَابِ الْهُونِ و صَاعِقَة ُ الْعَذَابِ أي داهية العذاب و الْهُونِ الهوان وصف به العذاب مبالغة أو أبدل منه بِمَا كَانُواْ يَكْسِبُونَ يريد من شركهم وتكذيبهم صالحاً وعقرهم الناقة وشرع صاحب ( الكشاف ) ههنا في سفاهة عظيمة والأولى أن لا يلتفت إليه أنه وإن كان قد سعى صعياً حسناً فيما يتعلق بالألفاظ إلا أن المسكين كان بعيداً من المعاني
ولما ذكر الله الوعيد أردفه بالوعد فقال وَنَجَّيْنَا الَّذِينَ ءامَنُواْ وَكَانُواْ يتَّقُونَ يعني وكانوا يتقون الأعمال التي كان يأتي بها قوم عاد وثمود فإن قيل كيف يجوز للرسول ( ﷺ ) أن ينذر قومه مثل صااعقة عاد وثمود مع العلم بأن ذلك لا يقع في أمة محمد ( ﷺ ) وقد صرّح الله تعالى بذلك في قوله وما كان الله ليعذبهم وأنت فيهم ( الأنفال ٣٣ ) وجاء في الأحاديث الصحيحة أن اللهلله تعالى رفع عن هذه الأمة هذه الأنواع من الآفات قلنا إنهم لما عرفوا كونهم مشاركين لعاد وثمود في استحقاق مثل تلك الصاعقة جوزوا حدوث ما يكون من جنس ذلك وإن كان أقل درجة مهم وهذا القدر يكفي في التخويف
وَيَوْمَ يُحْشَرُ أَعْدَآءُ اللَّهِ إِلَى النَّارِ فَهُمْ يُوزَعُونَ حَتَّى إِذَا مَا جَآءُوهَا شَهِدَ عَلَيْهِمْ سَمْعُهُمْ وَأَبْصَارُهُمْ وَجُلُودُهُم بِمَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ وَقَالُواْ لِجُلُودِهِمْ لِمَ شَهِدتُّمْ عَلَيْنَا قَالُوا أَنطَقَنَا اللَّهُ الَّذِى أَنطَقَ كُلَّ شَى ْءٍ وَهُوَ خَلَقَكُمْ أَوَّلَ مَرَّة ٍ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ وَمَا كُنتُمْ تَسْتَتِرُونَ أَن يَشْهَدَ عَلَيْكُمْ سَمْعُكُمْ وَلاَ أَبْصَارُكُمْ وَلاَ جُلُودُكُمْ وَلَاكِن ظَنَنتُمْ أَنَّ اللَّهَ لاَ يَعْلَمُ كَثِيراً مِّمَّا تَعْمَلُونَ وَذَلِكُمْ ظَنُّكُمُ الَّذِى ظَنَنتُم بِرَبِّكُمْ أَرْدَاكُمْ فَأَصْبَحْتُمْ مِّنَ الُخَاسِرِينَ فَإِن يَصْبِرُواْ فَالنَّارُ مَثْوًى لَّهُمْ وَإِن يَسْتَعْتِبُواْ فَمَا هُم مِّنَ الْمُعْتَبِينَ
واعلم أنه تعالى لما بيّن كيفية عقوبة أولئك الكفار في الدنيا أردفه بكيفية عقوبتهم في الآخرة ليحصل منه تمام الاعتبار في الزجر والتحذير وقرأ نافع نَحْشُرُ بالنون أَعْدَاء بالنصب أضاف الحشر إلى نفسه والتقدير يحشر الله عزّ وجلّ أعداءه الكفار من الأولين والآخرين وحجته أنه معطوف على قوله وَنَجَّيْنَا ( فصلت ١٨ ) فيحسن أن يكون على وفقه في اللفظ ويقويه قوله وَيَوْمَ نَحْشُرُ الْمُتَّقِينَ ( مريم ٨٥ ) وَحَشَرْنَاهُمْ ( الكهف ٤٧ ) وأما الباقون


الصفحة التالية
Icon