إلى بني المصطلق ولياً ومصدقاً فالتقوه فظنهم مقاتلين فرجع إلى النبي ( ﷺ ) وقال إنهم امتنعوا ومنعوا فهم الرسول ( ﷺ ) بالإيقاع بهم فنزلت هذه الآية وأخبر النبي ( ﷺ ) بأنهم لم يفعلوا من ذلك شيئاً وهذا جيد إن قالوا بأن الآية نزلت في ذلك الوقت وأما إن قالوا بأنها نزلت لذلك مقتصراً عليه ومتعدياً إلى غيره فلا بل نقول هو نزل عاماً لبيان التثبت وترك الاعتماد على قول الفاسق ويدل على ضعف قول من يقول إنها نزلت لكذا أن الله تعالى لم يقل إني أنزلتها لكذا والنبي ( ﷺ ) لم ينقل عنه أنه بين أن الآية وردت لبيان ذلك فحسب غاية ما في الباب أنها نزلت في ذلك الوقت وهو مثل التاريخ لنزول الآية ونحن نصدق ذلك ويتأكد ما ذكرنا أن إطلاق لفظ الفاسق على الوليد سيء بعيد لأنه توهم وظن فأخطأ والمخطىء لا يسمى فاسقاً وكيف والفاسق في أكثر المواضع المراد به من خرج عن ربقة الإيمان لقوله تعالى إِنَّ اللَّهَ لاَ يَهْدِى الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ ( المنافقون ٦ ) وقوله تعالى فَفَسَقَ عَنْ أَمْرِ رَبّهِ ( الكهف ٥٠ ) وقوله تعالى وَأَمَّا الَّذِينَ فَسَقُواْ فَمَأْوَاهُمُ النَّارُ كُلَّمَا أَرَادُواْ أَن يَخْرُجُواُ مِنْهَا أُعِيدُواْ فِيهَا ( السجدة ٢٠ ) إلى غير ذلك
المسألة الثانية قوله تعالى إِن جَاءكُمْ فَاسِقُ بِنَبَإٍ إشارة إلى لطيفة وهي أن المؤمن كان موصوفاً بأنه شديد على الكافر غليظ عليه فلا يتمكن الفاسق من أن يخبره بنبأ فإن تمكن منه يكون نادراً فقال أَن جَاءكُمْ بحرف الشرط الذي لا يذكر إلا مع التوقع إذ لا يحسن أن يقال إن احمر البسر وإن طلعت الشمس
المسألة الثالثة النكرة في معرض الشرط تعم إذا كانت في جانب الثبوت كما أنها تعم في الإخبار إذا كانت في جانب النفي وتخص في معرض الشرط إذ كانت في جانب النفي كما تخص في الإخبار إذا كانت في جانب الثبوت فلنذكر بيانه بالمثال ودليله أما بيانه بالمثال فنقول إذا قال قائل لعبده إن كلمت رجلاً فأنت حر فيكون كأنه قال لا أكلم رجلاً حتى يعتق بتكلم كل رجل وإذا قال إن لم أكلم اليوم رجلاً فأنت حر يكون كأنه قال لا أكلم اليوم رجلاً حتى لا يعتق العبد بترك كلام كل رجل كما لا يظهر الحلف في كلامه بكلام كل رجل إذا ترك الكلام مع رجل واحد وأما الدليل فلأن النظر أولاً إلى جانب الإثبات ألا ترى أنه من غير حرف لما أن الوضع للاثبات والنفي بحرف فقول القائل زيد قائم وضع أولاً ولم يحتج إلى أن يقال مع ذلك حرف يدل على ثبوت القيام لزيد وفي جانب النفي احتجنا إلى أن نقول زيد ليس بقائم ولو كان الوضع والتركيب أولاً للنفي لما احتجنا إلى الحرف الزائد اقتصاراً أو اختصاراً وإذا كان كذلك فقول القائل رأيت رجلاً يكفي فيه ما يصحح القول وهو رؤية واحد فإذا قلت ما رأيت رجلاً وهو وضع لمقابلة قوله رأيت رجلاً وركب لتلك المقابلة والمتقابلان ينبغي أن لا يصدقا فقول القائل ما رأيت رجلاً لو كفى فيه انتفاء الرؤية عن غير واحد لصح قولنا رأيت رجلاً وما رأيت رجلاً فلا يكونان متقابلين فيلزمنا من الاصطلاح الأول الاصطلاح الثاني ولزم منه العموم في جانب النفي إذا علم هذا فنقول الشرطية وضعت أولاً ثم ركبت بعد الجزمية بدليل زيادة الحرف وهو في مقابلة الجزمية وكان قول القائل إذا لم تكن أنت حراً ما كلمت رجلاً يرجع إلى معنى النفي وكما علم عموم القول في الفاسق علم عمومه في النبأ فمعناه أي فاسق جاءكم بأي نبأ فالتثبت فيه واجب
المسألة الرابعة متمسك أصحابنا في أن خبر الواحد حجة وشهادة الفاسق لا تقبل أما في المسألة


الصفحة التالية
Icon