في الزيادة ولا نهاية للأمور الإلاهية وقوله تعالى نَادِمِينَ الندم هم دائم والنون والدال والميم في تقاليبها لا تنفك عن معنى الدوام كما في قول القائل أدمن في الشرب ومدمن أي أقام ومنه المدينة وقوله تعالى فَتُصْبِحُواْ عَلَى مَا فَعَلْتُمْ نَادِمِينَ فيه فائدتان
إحداهما تقرير التحذير وتأكيده ووجهه هو أنه تعالى لما قال ءانٍ تُصِيببُواْ قَوْمَا بِجَهَالَة ٍ قال بعده وليس ذلك مما لا يلتفت إليه ولا يجوز للعاقل أن يقول هب أني أصبت قوماً فماذا علي بل عليكم منه الهم الدائم والحزن المقيم ومثل هذا الشيء واجب الاحتراز منه
والثانية مدح المؤمنين أي لستم ممن إذا فعلوا سيئة لا يلتفتون إليها بل تصبحون نادمين عليها
وَاعْلَمُوا أَنَّ فِيكُمْ رَسُولَ اللَّهِ لَوْ يُطِيعُكُمْ فِى كَثِيرٍ مِّنَ الاٌّ مْرِ لَعَنِتُّمْ وَلَاكِنَّ اللَّهَ حَبَّبَ إِلَيْكُمُ الا يمَانَ وَزَيَّنَهُ فِى قُلُوبِكُمْ وَكَرَّهَ إِلَيْكُمُ الْكُفْرَ وَالْفُسُوقَ وَالْعِصْيَانَ أُوْلَائِكَ هُمُ الرَاشِدُونَ
ولنذكر في تفسير هذه الآية ما قيل وما يجوز أن يقال أما ما قيل فلنختر أحسنه وهو ما اختاره الزمخشري فإنه بحث في تفسير هذه الآية بحثاً طويلاً فقال قوله تعالى لَوْ يُطِيعُكُمْ فِى كَثِيرٍ مّنَ الاْمْرِ لَعَنِتُّمْ ليس كلاماً مستأنفاً لأدائه إلى تنافر النظم إذ لا تبقى مناسبة بين قوله وَاعْلَمُواْ وبين قوله لَوْ يُطِيعُكُمْ ثم وجه التعلق هو أن قوله لَوْ يُطِيعُكُمْ في تقدير حال من الضمير المرفوع في قوله فيكُمْ كان التقدير كائن فيكم أو موجود فيكم على حال تريدون أن يطيعكم أو يفعل باستصوابكم ولا ينبغي أن يكون في تلك الحال لأنه لو فعل ذلك لَعَنِتُّمْ أو لوقعتم في شدة أو أولمتم به
ثم قال تعالى وَلَاكِنَّ اللَّهَ حَبَّبَ إِلَيْكُمُ الاْيمَانَ خطاباً مع بعض من المؤمنين غير المخاطبين بقوله لَوْ يُطِيعُكُمْ قال الزمخشري اكتفى بالتغاير في الصفة واختصر ولم يقل حبب إلى بعضكم الإيمان وقال أيضاً بأن قوله تعالى لَوْ يُطِيعُكُمْ دون أطاعكم يدل على أنهم كانوا يريدون استمرار تلك الحالة ودوام النبي ( ﷺ ) على العمل باستصوابهم ولكن يكون ما بعدها على خلاف ما قبلها وههنا كذلك وإن لم يكن تحصل المخالفة بتصريح اللفظ لأن اختلاف المخاطبين في الوصف يدلنا على ذلك لأن المخاطبين أولاً بقوله لَوْ يُطِيعُكُمْ هم الذين أرادوا أن يكون النبي ( ﷺ ) يعمل بمرادهم والمخاطبين بقوله حَبَّبَ إِلَيْكُمُ الاْيمَانَ هم الذين أرادوا عملهم بمراد النبي ( ﷺ ) هذا ما قاله الزمخشري واختاره وهو حسن والذي يجوز أن يقال وكأنه هو الأقوى أن الله تعالى لما قال إِن جَاءكُمْ فَاسِقُ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُواْ ( الحجرات ٦ ) أي فتثبتوا واكشفوا قال بعده وَاعْلَمُواْ أَنَّ فِيكُمْ رَسُولَ اللَّهِ أي الكشف سهل عليكم بالرجوع إلى النبي ( ﷺ ) فإنه فيكم مبين مرشد وهذا كما يقول القائل عند اختلاف تلاميذ شيخ في مسألة هذا الشيخ قاعد لا يريد بيان قعوده وإنما يريد أمرهم بالمراجعة إليه وذلك لأن المراد منه أنه لا يطيعكم في كثير من الأمر وذلك لأن الشيخ فيما ذكرنا من المثال


الصفحة التالية
Icon