ونوح كان مرسلاً إلى خلق عظيم وقال فِرْعَوْنُ ولم يقل قوم فرعون وقال وَقَوْمُ تُّبَّعٍ لأن فرعون كان هو المغتر المستخف بقومه المستبد بأمره وتبع كان معتمداً بقومه فجعل الاعتبار لفرعون ولم يقل إلى قوم فرعون
وقوله تعالى كُلٌّ كَذَّبَ الرُّسُلَ فَحَقَّ وَعِيدِ
يحتمل وجهين أحدهما أن كل واحد كذب رسوله فهم كذبوا الرسل واللام حينئذ لتعريف العهد وثانيهما وهو الأصح هو أن كل واحد كذب جميع الرسل واللام حينئذ لتعريف الجنس وهو على وجهين أحدهما أن المكذب للرسول مكذب لكل رسول وثانيهما وهو الأصح أن المذكورين كانوا منكرين للرسالة والحشر بالكلية وقوله فَحَقَّ وَعِيدِ أي ما وعد الله من نصرة الرسل عليهم وإهلاكهم
أَفَعَيِينَا بِالْخَلْقِ الاٌّ وَّلِ بَلْ هُمْ فِى لَبْسٍ مِّنْ خَلْقٍ جَدِيدٍ
وفيه وجهان أحدهما أنه استدلال بدلائل الأنفس لأنا ذكرنا مراراً أن الدلائل آفاقية ونفسية كما قال تعالى سَنُرِيهِمْ ءايَاتِنَا فِى الاْفَاقِ وَفِى أَنفُسِهِمْ ( فصلت ٥٣ ) ولما قرن الله تعالى دلائل الآفاق عطف بعضها على بعض بحرف الواو فقال وَالاْرْضَ مَدَدْنَاهَا ( الحجر ١٩ ) وفي غير ذلك ذكر الدليل النفسي وعلى هذا فيه لطائف لفظية ومعنوية
أما اللفظية فهي أنه تعالى في الدلائل الآفاقية عطف بعضها على بعض بحرف الواو فقال وَالاْرْضَ مَدَدْنَاهَا وقال وَنَزَّلْنَا مِنَ السَّمَاء مَاء مُّبَارَكاً ( ق ٩ ) ثم في الدليل النفسي ذكر حرف الاستفهام والفاء بعدها إشارة إلى أن تلك الدلائل من جنس وهذا من جنس فلم يجعل هذا تبعاً لذلك ومثل هذا مراعى في أواخر ي س حيث قال تعالى أَوَلَمْ يَرَ الإِنسَانُ أَنَّا خَلَقْنَاهُ ( ي س ٧٧ ) ثم لم يعطف الدليل الآفاقي ههنا نقول والله أعلم ههنا وجد منهم الاستبعاد بقول ذَلِكَ رَجْعُ بَعِيدٌ ( ق ٣ ) فاستدل بالأكبر وهو خلق السماوات ثم نزل كأنه قال لا حاجة إلى ذلك الاستدلال بل في أنفسهم دليل جواز ذلك وفي سورة ي س لم يذكر استبعادهم فبدأ بالأدنى وارتقى إلى الأعلى
والوجه الثاني يحتمل أن يكون المراد بالخلق الأول هو خلق السماوات لأنه هو الخلق الأول وكأنه تعالى قال أَفَلَمْ يَنظُرُواْ إِلَى السَّمَاء ( ق ٦ ) ثم قال أَفَعَيِينَا بهذا الخلق ويدل على هذا قوله تعالى أَوَلَمْ يَرَوْاْ أَنَّ اللَّهَ الَّذِى خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالاْرْضَ وَلَمْ يَعْى َ بِخَلْقِهِنَّ ( الأحقاف ٣٣ ) ويؤيد هذا الوجه هو أن الله تعالى قال بعد هذه الآية وَلَقَدْ خَلَقْنَا الإِنسَانَ وَنَعْلَمُ مَا تُوَسْوِسُ بِهِ نَفْسُهُ ( ق ١٦ ) فهو كالاستدلال بخلق الإنسان وهو معطوف بحرف الواو على ما تقدم من الخلق وهو بناء السماء ومد الأرض وتنزيل الماء وإنبات الجنّات وفي تعريف الخلق الأول وتنكير خلق جديد وجهان أحدهما ما عليه الأمران لأن الأول عرفه كل واحد وعلم لنفسه والخلق الجديد لم يعلم لنفسه ولم يعرفه كل أحد ولأن الكلام عنهم وهم لم يكونوا عالمين بالخلق الجديد والوجه الثاني أن ذلك لبيان إنكارهم للخلق الثاني من كل وجه كأنهم قالوا أيكون لنا خلق ما على وجه الإنكار له بالكلية وقوله تعالى بَلْ هُمْ فِى لَبْسٍ تقديره ما عيينا بل هم في شك من خلق جديد يعني لا مانع من جهة الفاعل فيكون من جانب المفعول وهو الخلق الجديد لأنهم كانوا يقولون ذلك محال وامتناع وقوع المحال بالفاعل لا يوجب عجزاً فيه ويقال للمشكوك فيه ملتبس كما يقل لليقين إنه ظاهر


الصفحة التالية
Icon