وواضح ثم إن اللبس يسند إلى الأمر كم قلنا إنه يقال إن هذا أمر ظهر وهذا أمر ملتبس وههنا أسند الأمر إليهم حيث قال هُمْ فِى لَبْسٍ وذلك لأن الشيء يكون وراء حجاب والناظر إليه بصير فيختفي الأمر من جانب الرائي فقال ههنا بَلْ هُمْ فِى لَبْسٍ ومن في قوله مّنْ خَلْقٍ جَدِيدٍ يفيد فائدة وهي ابتداء الغاية كأن اللبس كان حاصلاً لهم من ذلك
وَلَقَدْ خَلَقْنَا الإِنسَانَ وَنَعْلَمُ مَا تُوَسْوِسُ بِهِ نَفْسُهُ وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْ حَبْلِ الْوَرِيدِ
وقوله تعالى وَلَقَدْ خَلَقْنَا الإِنْسَانَ فيه وجهان
أحدهما أن يكون ابتداء استدلال بخلق الإنسان وهذا على قولنا أَفَعَيِينَا بِالْخَلْقِ الاْوَّلِ ( ق ١٥ ) معناه خلق السماوات وثانيهما أن يكون تتميم بيان خلق الإنسان وعلى هذا قولنا الخلق الأول هو خلق الإنسان أول مرة ويحتمل أن يقال هو تنبيه على أمر يوجب عودهم عن مقالهم وبيانه أنه تعالى لما قال وَلَقَدْ خَلَقْنَا الإِنسَانَ وَنَعْلَمُ مَا تُوَسْوِسُ بِهِ نَفْسُهُ كان ذلك إشارة إلى أنه لا يخفى عليه خافية ويعلم ذوات صدورهم
وقوله وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْ حَبْلِ الْوَرِيدِ
بيان لكمال علمه والوريد العرق الذي هو مجرى الدم يجري فيه ويصل إلى كل جزء من أجزاء البدن والله أقرب من ذلك بعلمه لأن العرق تحجبه أجزاء اللحم ويخفى عنه وعلم الله تعالى لا يحجب عنه شيء ويحتمل أن يقال وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْ حَبْلِ الْوَرِيدِ بتفرد قدرتنا فيه يجري فيه أمرنا كما يجري الدم في عروقه
إِذْ يَتَلَقَّى الْمُتَلَقِّيَانِ عَنِ الْيَمِينِ وَعَنِ الشِّمَالِ قَعِيدٌ مَّا يَلْفِظُ مِن قَوْلٍ إِلاَّ لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ
إِذْ ظرف والعامل فيه ما في قوله تعالى وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْ حَبْلِ الْوَرِيدِ وفيه إشارة إلى أن المكلف غير متروك سدى وذلك لأن الملك إذا أقام كتاباً على أمر اتكل عليهم فإن كان له غفلة عنه فيكون في ذلك الوقت يتكل عليهم وإذا كان عند إقامة الكتاب لا يبعد عن ذلك الأمر ولا يغفل عنه فهو عند عدم ذلك أقرب إليه وأشد إقبالاً عليه فنقول الله في وقت أخذ الملكين منه فعله وقوله أقرب إليه من عرقه المخالط له فعندما يخفى عليهما شيء يكون حفظنا بحاله أكمل وأتم ويحتمل أن يقال التلقي من الاستقبال يقال فلان يتلقى الركب وعلى هذا الوجه فيكون معناه وقت ما يتلقاه المتلقيان يكون عن يمينه وعن شماله قعيد فالمتلقيان على هذا الوجه هما الملكان اللذان يأخذان روحه من ملك الموت أحدهما يأخذ أرواح الصالحين وينقلها إلى السرور والحبور إلى يوم النشور والآخر يأخذ أرواح الطالحين وينقلها إلى الويل والثبور إلى يوم الحشر من القبور فقال تعالى وقت تلقيهما وسؤالهما إنه من أي القبيلين يكون عند الرجل قعيد عن اليمين


الصفحة التالية
Icon