الدموية فيه إحداها في الوسط وهو الموضع الذي إذا تمت خلقته كان قلباً والثاني فوق وهو الدماغ والثالث على اليمين وهو الكبد ثم إن تلك النقط تتباعد ويظهر فيما بينها خيوط حمر وذلك يحصل بعد ثلاثة أيام أخرى فيكون المجموع تسعة أيام وثالثها أن تنفذ الدموية في الجميع فيصير علقة وذلك بعد ستة أيام أخرى حتى يصير المجموع خمسة عشر يوماً ورابعها أن يصير لحماً وقد تميزت الأعضاء الثلاثة وامتدت رطوبة النخاع وذلك إنما يتم باثني عشر يوماً فيكون المجموع سبعة وعشرين يوماً وخامسها أن ينفصل الرأس عن المنكبين والأطراف عن الضلوع والبطن يميز الحس في بعض ويخفى في بعض وذلك يتم في تسعة أيام أخرى فيكون المجموع ستة وثلاثين يوماً وسادسها أن يتم انفصال هذه الأعضاء بعضها عن بعض ويصير بحيث يظهر ذلك الحس ظهوراً بيناً وذلك يتم في أربعة أيام أخرى فيكون المجموع أربعين يوماً وقد يتأخر إلى خمسة وأربعين يوماً قال والأقل هو الثلاثون فصارت هذه التجارب الطبية مطابقة لما أخبر عنه الصادق المصدوق في قوله ( ﷺ ) ( يجمع خلق أحدكم في بطن أمه أربعين يوماً ) قال أصحاب التجارب إن السقط بعد الأربعين إذا شق عنه السلالة ووضع في الماء البارد ظهر شيء صغير متميز الأطراف
المسألة الثالثة هذه الآية دلّت على أقل الحمل وعلى أكثر مدة الرضاع أما أنها تدل على أقل مدة الحمل فقد بيناه وأما أنها تدل على أكثر مدة الرضاع فلقوله تعالى وَالْوالِداتُ يُرْضِعْنَ أَوْلَادَهُنَّ حَوْلَيْنِ كَامِلَيْنِ لِمَنْ أَرَادَ أَن يُتِمَّ الرَّضَاعَة َ ( البقرة ٢٣٣ ) والفقهاء ربطوا بهذين الضابطين أحكاماً كثيرة في الفقه وأيضاً فإذا ثبت أن أقل مدة الحمل هو الأشهر الستة فبتقدير أن تأتي المرأة بالولد في هذه الأشهر يبقى جانبها مصوناً عن تهمة الزنا والفاحشة وبتقدير أن يكون أكثر مدة الرضاع ما ذكرناه فإذا حصل الرضاع بعد هذه المدة لا يترتب عليها أحكام الرضاع فتبقى المرأة مستورة عن الأجانب وعند هذا يظهر أن المقصود من تقدير أقل الحمل ستة أشهر وتقدير أكثر الرضاع حولين كاملين السعي في دفع المضار والفواحش وأنواع التهمة عن المرأة فسبحان من له تحت كل كلمة من هذا الكتاب الكريم أسرار عجيبة ونفائس لطيفة تعجز العقول عن الإحاطة بكمالها
وروى الواحدي في ( البسيط ) عن عكرمة أنه قال إذا حملت تسعة أشهر أرضعته أحداً وعشرين شهراً وإذا حملت ستة أشهر أرضعته أربعة وعشرين شهراً والصحيح ما قدمناه
ثم قال تعالى حَتَّى إِذَا بَلَغَ أَشُدَّهُ وَبَلَغَ أَرْبَعِينَ سَنَة ً قَالَ رَبّ أَوْزِعْنِى أَنْ أَشكُرَ نِعْمَتَكَ الَّتِى أَنْعَمْتَ عَلَى َّ وفيه مسائل
المسألة الأولى اختلف المفسرون في تفسير الأشد قال ابن عباس في رواية عطاء يريد ثماني عشرة سنة والأكثرون من المفسرين على أنه ثلاثة وثلاثون سنة واحتج الفراء عليه بأن قال أن الأربعين أقرب في النسق إلى ثلاث وثلاثين منها إلى ثمانية عشر ألا ترى أنك تقول أخذت عامة المال أو كله فيكون أحسن من قولك أخذت أقل المال أو كله ومثله قوله تعالى رَبّهِ سَبِيلاً إِنَّ رَبَّكَ يَعْلَمُ أَنَّكَ تَقُومُ أَدْنَى مِن ثُلُثَى ِ الَّيْلِ وَنِصْفَهُ وَثُلُثَهُ ( المزمل ٢٠ ) فبعض هذه الأقسام قريب من بعض فكذا هاهنا وقال الزجاج الأولى حمله على ثلاث وثلاثين سنة لأن هذا الوقت الذي يكمل فيه بدن الإنسان وأقول تحقيق الكلام في هذا الباب أن يقال إن مراتب سن الحيوان ثلاثة وذلك لأن بدن الحيوان لا يتكون إلا برطوبة غريزية وحرارة غريزية ولا شك أن الرطوبة الغريزية


الصفحة التالية
Icon