وعلى هذا فقوله غير نصب على الحال تقديره قربت من الحصول ولم تكن بعيدة في المسافة حتى يقال كيف قربت الثالث هو أن الله تعالى قادر على نقل الجنة من السماء إلى الأرض فيقربها للمؤمن وأما إن قلنا إنها قربت فمعناه جمعت محاسنها كما قال تعالى وَالصُّلْحُ خَيْرٌ وَأُحْضِرَتِ الأنفُسُ ( الزخرف ٧١ )
المسألة الثانية على هذا الوجه وعلى قولنا قربت تقريب حصول ودخول فهو يحتمل وجهين أحدهما أن يكون قوله تعالى وَأُزْلِفَتِ أي في ذلك اليوم ولم يكن قبل ذلك وأما في جمع المحاسن قربما يزيد الله فيها زينة وقت الدخول وأما في الحصول فلأن الدخول قبل ذلك كان مستبعداً إذا لم يقدر الله دخول المؤمنين الجنة في الدنيا ووعد به في الآخرة فقربت في ذلك اليوم وثانيهما أن يكون معنى قوله تعالى وَأُزْلِفَتِ الْجَنَّة ُ أي أزلفت في الدنيا إما بمعنى جمع المحاسن فلأنها مخلوقة وخلق فيها كل شيء وإما بمعنى تقريب الحصول فلأنها تحصل بكلمة حسنة وإما على تفسير الإزلاف بالتقريب المكاني فلا يكون ذلك محمولاً إلا على ذلك الوقت أي أزلفت في ذلك اليوم للمتقين
المسألة الثانية إن حمل على القرب المكاني فما الفائدة في الاختصاص بالمتقين مع أن المؤمن والكافر في عرصة واحدة فنقول قد يكون شخصان في مكان واحد وهناك مكان آخر هو إلى أحدهما في غاية القرب وعن الآخر في غاية البعد مثاله مقطوع الرجلين والسليم الشديد العدو إذا اجتمعا في موضع وبحضرتهما شيء لا تصل إليه اليد بالمد فذلك بعيد عن المقطوع وهو في غاية القرب من العادي أو نقول إذا اجتمع شخصان في مكان وأحدهما أحيط به سد من حديد ووضع بقربه شيء لا تناله يده بالمد والآخر لم يحط به ذلك السد يصح أن يقال هو بعيد عن المسدود وقريب من المحظوظ والمجدود وقوله تعالى غَيْرَ بَعِيدٍ يحتمل أن يكون نصباً على الظرف يقال اجلس غير بعيد مني أي مكاناً غير بعيد وعلى هذا فقوله غير بعيد يفيد التأكيد وذلك لأن القريب قد يكون بعيداً بالنسبة إلى شيء فإن المكان الذي هو على مسيرة يوم قريب بالنسبة إلى البلاد النائية وبعيد بالنسبة إلى متنزهات المدينة فإذا قال قائل أيما أقرب المسجد الأقصى أو البلد الذي هو بأقصى المغرب أو المشرق يقال له المسجد الأقصى قريب وإن قال أيهما أقرب هو أو البلد يقل له هو بعيد فقوله تعالى وَأُزْلِفَتِ الْجَنَّة ُ غَيْرَ بَعِيدٍ أي قربت قرباً حقيقياً لا نسبياً حيث لا يقال فيها إنها بعيدة عنه مقايسة أو مناسبة ويحتمل أن يكون نصباً على الحال تقديره قربت حال كون ذلك غاية التقريب أو نقول على هذا الوجه يكون معنى أزلفت قربت وهي غير بعيد فيحصل المعنيان جميعاً الإقراب والاقتراب أو يكون المراد القرب والحصول لا للمكان فيحصل معنيان القرب المكاني بقوله غير بعيد والحصول بقوله أُزْلِفَتْ وقوله غَيْرَ بَعِيدٍ مع قوله أُزْلِفَتْ على التأنيث يحتمل وجوهاً الأول إذا قلنا إن غَيْرِ نصب على المصدر تقديره مكاناً غير الثاني التذكير فيه كما في قوله تعالى وَلاَ تُفْسِدُواْ فِى الاْرْضِ ( الأعراف ٥٦ ) إجراء لفعيل بمعنى فاعل مجرى فعيل بمعنى مفعول الثالث أن يقال غَيْرِ منصوب نصباً على المصدر على أنه صفة مصدر محذوف تقديره أزلفت الجنة إزلافاً غير بعيد أي عن قدرتنا فإنا قد ذكرنا أن الجنة مكان والمكان لا يقرب وإنما يقرب منه فقال الإزلاف غير بعيد عن قدرتنا فإنا نطوي المسافة بينهما
هَاذَا مَا تُوعَدُونَ لِكُلِّ أَوَّابٍ حَفِيظٍ


الصفحة التالية
Icon