ثم قال تعالى هَاذَا مَا تُوعَدُونَ قال الزمخشري هي جملة معترضة بين كلامين وذلك لأن قوله تعالى لِكُلّ أَوَّابٍ بدل عن المتقين كأنه تعالى قال ( أزلفت الجنة للمتقين لكل أواب ) كما في قوله تعالى لَّجَعَلْنَا لِمَن يَكْفُرُ بِالرَّحْمَانِ لِبُيُوتِهِمْ ( الزخرف ٣٣ ) غير أن ذلك بدل الاشتمال وهذا بدل الكل وقال هَاذَا إشارة إلى الثواب أي هذا الثواب ما توعدون أو إلى الإزلاف المدلول عليه بقوله أُزْلِفَتْ ( ق ٣١ ) أي هذا الإزلاف ما وعدتم به ويحتمل أن يقال هو كلام مستقل ووجهه أن ذلك محمول على المعنى لا ما يوعد به يقال للموعود هذا لك وكأنه تعالى قال هذا ما قلت إنه لكم
ثم قال تعالى لِكُلّ أَوَّابٍ حَفِيظٍ بدلاً عن الضمير في تُوعَدُونَ وكذلك إن قرىء بالياء يكون تقديره هذا لكل أواب بدلاً عن الضمير والأواب الرجاع قيل هو الذي يرجع من الذنوب ويستغفر والحفيظ الحافظ للذي يحفظ توبته من النقض ويحتمل أن يقال الأواب هو الرجاع إلى الله بفكره والحفيظ الذي يحفظ الله في ذكره أي رجع إليه بالفكر فيرى كل شيء واقعاً به وموجداً منه ثم إذا انتهى إليه حفظه بحيث لا ينساه عند الرخاء والنعماء والأواب الحفيظ كلاهما من باب المبالغة أي يكون كثير الأوب شديد الحفظ وفيه وجوه أخر أدق وهو أن الأواب هو الذي رجع عن متابعة هواه في الإقبال على ما سواه والحفيظ هو الذي إذا أدركه بأشرف قواه لا يتركه فيكمل بها تقواه ويكون هذا تفسيراً للمتقي لأن المتقي هو الذي أتقى الشرك والتعطيل ولم ينكره ولم يعترف بغيره والأواب هو الذي لا يعترف بغيره ويرجع عن كل شيء غير الله تعالى والحفيظ هو الذي لم يرجع عنه إلى شيء مما عداه ثم قال تعالى
مَّنْ خَشِى الرَّحْمَنَ بِالْغَيْبِ وَجَآءَ بِقَلْبٍ مُّنِيبٍ
وفي مِنْ وجوه أحدها وهو أغربها أنه منادى كأنه تعالى قال يا من خشيء الرحمن أدخلوها بسلام وحذف حرف النداء شائع وثانيها مِنْ بدل عن كل في قوله تعالى لِكُلّ أَوَّابٍ ( ق ٣٢ ) من غير إعادة حرف الجر تقديره أزلفت الجنة لمن خشي الرحمن بالغيب ثالثها في قوله تعالى أَوَّابٍ حَفِيظٍ ( ق ٣٢ ) موصوف معلوم غير مذكور كأنه يقول لكل شخص أواب أو عبد أو غير ذلك فقوله تعالى مَّنْ خَشِى َ الرَّحْمَنَ بِالْغَيْبِ بدل عن ذلك الموصوف هذه وجوه ثلاثة ذكرها الزمخشري وقال لا يجوز أن يكون بدلاً عن أواب أو حفيظ لأن أواب وحفيظ قد وصف به موصوف معلوم غير مذكور كما بيناه والبدل في حكم المبدل منه فتكون مِنْ موصوفاً بها ومن لا يوصف بها لا يقال الرجل من جاءني جالسني كم يقال الرجل الذي جاءني جالسني هذا تمام كلام الزمخشري فإن قال قائل إذا كان مِنْ والذي يشتركان في كونهما من الموصولات فلماذا لا يشتركان في جواز الوصف بهما نقول الأمر معقول نبينه في ما ومنه يتبين الأمر فيه فنقول ما اسم مبهم يقع على كل شيء فمفهومه هو شيء لكن الشيء هو أعم الأشياء فإن الجوهر شيء والعرض شيء والواجب شيء والممكن شيء والأعم قبل الأخص في الفهم لأنك إذا رأيت من البعد شبحاً تقول أولاً إنه شيء ثم إذا ظهر لك منه ما يختص بالناس تقول إنسان فإذا بان ذلك أنه ذكر قلت هو رجل فإذا وجدته ذا قوة تقول شجاع إلى غير ذلك فالأعم أعرف وهو قبل الأخص في الفهم فمفهوم ما قبل كل شيء فلا يجوز أن يكون صفة لأن الصفة بعد الموصوف هذا من حيث


الصفحة التالية
Icon