فغلبه زيد كذلك ههنا قال تعالى هُمْ أَشَدُّ مِنْهُم بَطْشاً فصاروا نقباء في الأرض وقرىء فَنَقَّبُواْ بالتشديد وهو أيضاً يدل على ما ذكرنا في الوجه الثالث لأن التنقيب البحث وهو من نقب بمعنى صار نقيباً
الثالث قوله تعالى هَلْ مِن مَّحِيصٍ
يحتمل وجوهاً ثلاثة الأول على قراءة من قرأ بالتشديد يحتمل أن يقال هو مفعول أي بحثوا عن المحيص هَلْ مِن مَّحِيصٍ الثاني على القراءات جميعاً استفهام بمعنى الإنكار أي لم يكن لهم محيص الثالث هو كلام مستأنف كأنه تعالى يقول لقوم محمد ( ﷺ ) هم أهلكوا مع قوة بطشهم فهل من محيص لكم تعتمدون عليه والمحيص كالمحيد غير أن المحيص معدل ومهرب عن الشدة يدلك عليه قولهم وقعوا في حيص بيص أي في شدة وضيق والمحيد معدل وإن كان لهم بالاختيار يقال حاد عن الطريق نظراً ولا يقال حاص عن الأمر نظراً
إِنَّ فِى ذَالِكَ لَذِكْرَى لِمَن كَانَ لَهُ قَلْبٌ أَوْ أَلْقَى السَّمْعَ وَهُوَ شَهِيدٌ
ثم قال تعالى إِنَّ فِى ذالِكَ لَذِكْرَى لِمَن كَانَ لَهُ قَلْبٌ
الإشارة إلى الإهلاك ويحتمل أن يقال هو إشارة إلى ما قاله من إزلاف الجنة وملء جهنم وغيرهما والذكرى اسم مصدر هو التذكر والتذكرة وهي في نفسها مصدر ذكره يذكره ذكراً وذكرى وقوله لمن كَانَ لَهُ قَلْبٌ قيل المراد قلب موصوف بالوعي أي لمن كان له قلب واع يقال لفلان مال أي كثير فالتنكير يدل على معنى في الكمال والأولى أن يقال هو لبيان وضوح الأمر بعد الذكر وأن لا خفاء فيه لمن كان له قلب ما ولو كان غير كامل كما يقال أعطه شيئاً ولو كان درهماً ونقول الجنة لمن عمل خيراً ولو حسنة فكأنه تعالى قال إن في ذلك لذكرى لمن يصح أن يقال له قلب وحينئذ فمن لا يتذكر لا قلب له أصلاً كما في قوله تعالى صُمٌّ بُكْمٌ عُمْى ٌ ( البقرة ١٨ ) حيث لم تكن آذانهم وألسنتهم وأعينهم مفيدة لما يطلب منها كذلك من لا يتذكر كأنه لا قلب له ومنه قوله تعالى كَالانْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ ( الأعراف ١٧٩ ) أي هم كالجماد وقوله تعالى كَأَنَّهُمْ خُشُبٌ مُّسَنَّدَة ٌ ( المنافقون ٤ ) أي لهم صور وليس لهم قلب للذكر ولا لسان للشكر
وقوله تعالى أَوْ أَلْقَى السَّمْعَ وَهُوَ شَهِيدٌ أي استمع وإلقاء السمع كناية في الاستماع لأن من لا يسمع فكأنه حفظ سمعه وأمسكه فإذا أرسله حصل الاستماع فإن قيل على قول من قال التنكير في القلب للتكثير يظهر حسن ترتيب في قوله أَوْ أَلْقَى السَّمْعَ وذلك لأنه يصير كأنه تعالى يقول إن في ذلك لذكرى لمن كان ذا قلب واع ذكي يستخرج الأمور بذكائه أو ألقى السمع ويستمع من المنذر فيتذكر وأما على قولك المراد من صح أن يقال له قلب ولو كان غير واع لا يظهر هذا الحسن نقول على ما ذكرنا ربما يكون الترتيب أحسن وذلك لأن التقدير يصير كأنه تعالى قال فيه ذكرى لكل واحد كيف كان له قلب لظهور الأمر فإن كان لا يحصل لكل أحد فلمن يستمع حاصل ويؤيد ما ذكرنا قوله تعالى أَوْ أَلْقَى السَّمْعَ حيث لم يكل أو استمع لأن الاستماع ينبىء عن طلب زائد وأما إلقاء السمع فمعناه أن الذكرى حاصلة لمن لا يمسك سمعه بل يرسله إرسالاً وإن لم يقصد السماع كالسامع في الصوت الهائل فإنه يحصل عند مجرد فتح الأذن وإن لم يقصد السماع والصوت الخفي لا يسمع إلا باستماع وتطلب فنقول الذكرى حاصلة لمن كان


الصفحة التالية
Icon