له قلب كيف كان قلبه لظهورها فإن لم تحصل فلمن له أذن غير مسدودة كيف كان حاله سواء استمع باجتهاده أو لم يجتهد في سماعه فإن قيل فقوله تعالى وَهُوَ شَهِيدٌ للحال وهو يدل على أن إلقاء السمع بمجرده غير كاف نقول هذا يصحح ما ذكرناه لأنا قلنا بأن الذكرى حاصلة لمن له قلب ما فإن لم تحصل له فتحصل له إذا ألقى السمع وهو حاضر بباله من القلب وأما على الأول فمعناه من ليسه له قلب واع يحصل له الذكر إذا ألقى السمع وهو حاضر بقلبه فيكون عند الحضور بقلبه يكون له قلب واع وقد فرض عدمه هذا إذا قلنا بأن قوله وَهُوَ شَهِيدٌ بمعنى الحال وإذا لم نقل به فلا يرد ما ذكر وهو يحتمل غير ذلك بيانه هو أن يقال ذلك إشارة إلى القرآن وتقريره هو أن الله تعالى لما قال في أول السورة ق وَالْقُرْءانِ الْمَجِيدِ بَلْ عَجِبُواْ أَن جَاءهُمْ مُّنذِرٌ مّنْهُمْ ( ق ١ ٢ ) وذكر ما يدفع تعجبهم وبين كونه منذراً صادقاً وكون الحشر أمراً واقعاً ورغب وأرهب بالثواب والعذاب آجلاً وعاجلاً وأتم الكلام قال إِنَّ فِى ذَلِكَ أي القرآن الذي سبق ذكره لَذِكْرَى لِمَن كَانَ لَهُ قَلْبٌ أو لمن يستمع ثم قال وَهُوَ شَهِيدٌ أي المنذر الذي تعجبتم منه شهيد كما قال تعالى إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ شَاهِداً ( الفتح ٨ ) وقال تعالى لِيَكُونَ الرَّسُولُ شَهِيداً عَلَيْكُمْ ( الحج ٧٨ ) ثم قال تعالى
وَلَقَدْ خَلَقْنَا السَّمَاوَاتِ والأرض وَمَا بَيْنَهُمَا فِى سِتَّة ِ أَيَّامٍ وَمَا مَسَّنَا مِن لُّغُوبٍ
أعاد الدليل مرة أخرى وقد ذكرنا تفسير ذلك في الم السجدة وقلنا إن الأجسام ثلاثة أجناس أحدها السماوات ثم حركها وخصصها بأمور ومواضع وكذلك الأرض خلقها ثم دحاها وكذلك ما بينهما خلق أعيانها وأصنافها فِي سِتَّة ِ أَيَّامٍ إشارة إلى ستة أطوار والذي يدل عليه ويقرره هو أن المراد من الأيام لا يمكن أن يكون هو المفهوم في وضع اللغة لأن اليوم عبارة في اللغة عن زمان مكث الشمس فوق الأرض من الطلوع إلى الغروب وقبل السماوات لم يكن شمس ولا قمر لكن اليوم يطلق ويراد به الوقت يقال يوم يولد للملك ابن يكون سرور عظيم ويوم يموت فلان يكون حزن شديد وإن اتفقت الولادة أو الموت ليلاً ولا يتعين ذلك ويدخل في مراد العاقل لأنه أراد باليوم مجرد الحين والوقت إذا علمت الحال من إضافة اليوم إلى الأفعال فافهم ما عند إطلاق اليوم في قوله سِتَّة ِ أَيَّامٍ وقال بعض المفسرين المراد من الآية الرد على اليهود حيث قالوا بدأ الله تعالى خلق العالم يوم الأحد وفرغ منه في ستة أيام آخرها يوم الجمعة واستراح يوم السبت واستلقى على عرشه فقال تعالى وَمَا مَسَّنَا مِن لُّغُوبٍ رداً عليهم والظاهر أن المراد الرد على المشرك والاستدلال بخلق السماوات والأرض ومما بينهما وقوله تعالى وَمَا مَسَّنَا مِن لُّغُوبٍ أي ما تعبنا بالخلق الأول حتى لا نقدر على الإعادة ثانياً والخلق الجديد كما قال تعالى أَفَعَيِينَا بِالْخَلْقِ الاْوَّلِ ( ق ١٥ ) وأما ما قاله اليهود ونقلوه من التوراة فهو إما تحريف منهم أو لم يعلموا تأويله وذلك لأن الأحد والاثنين أزمنة متميز بعضها عن بعض فلو كان خلق السماوات ابتدىء يوم الأحد لكان الزمان متحققاً قبل الأجسام والزمان لا ينفك عن الأجسام فيكون قبل خلق الأجسام أجسام أُخر فيلزم القول بقدم العالم وهو مذهب الفلاسفة ومن العجيب أن بين الفلاسفة والمشبهة غاية الخلاف فإن الفلسفي لا يثبت لله تعالى صفة أصلاً ويقول بأن الله تعالى لا يقبل صفة بل هو واحد من جميع الوجوه فعلمه وقدرته وحياته هو حقيقته وعينه وذاته والمشبهي يثبت لله صفة الأجسام من الحركة والسكون والاستواء والجلوس والصعود والنزول فبينهما


الصفحة التالية
Icon