( نوح ٢٦ ) بل ادع إلى ربك فإذا ضجرت عن ذلك بسبب إصرارهم فاشتغل بذكر ربك في نفسك وفيه مباحث
البحث الأول استعمل الله التسبيح تارة مع اللام في قوله تعالى يُسَبّحُ اللَّهِ ( الجمعة ١ ) و يُسَبّحُونَ لَهُ ( فصلت ٣٨ ) وأخرى مع الباء في قوله تعالى فَسَبّحْ بِاسْمِ رَبّكَ الْعَظِيمِ ( الواقعة ٧٤ ) و سَبِّحِ بِحَمْدِ رَبّكَ ( طه ٤٢ ) وقوله سَبِّحِ اسْمَ رَبّكَ الاَعْلَى ( الأعلى ١ ) فما الفرق بينهما نقول أما الباء فهي الأهم وبالتقديم أولى في هذا الموضع كقوله تعالى وَسَبْعَ بِحَمْدِ رَبّكَ فنقول أما على قولنا المراد من سبح قل سبحان الله فالباء للمصاحبة أي مقترناً بحمد الله فيكون كأنه تعالى قال قل سبحان الله والحمد لله وعلى قولنا المراد التنزيه لذلك أي نزهه وأقرنه بحمده أي سبحه واشكره حيث وفقك الله لتسبيحه فإن السعادة الأبدية لمن سبحه وعلى هذا فيكون المفعول غير مذكور لحصول العلم به من غير ذكر تقديره سبح الله بحمد ربك أي ملتبساً ومقترناً بحمد ربك وعلى قولنا صل نقول يحتمل أن يكون ذلك أمراً بقراءة الفاتحة في الصلاة يقال صلّى فلان بسورة كذا أو صلّى بقل هو الله أحد فكأنه يقول صلّى بحمد الله أي مقروءاً فيها الحمد لله ربّ العالمين وهو أبعد الوجوه وأما التعدية من غير حرف فنقول هو الأصل لأن التسبيح يتعدى بنفسه لأن معناه تبعيد من السوء وأما اللام فيحتمل وجهين أحدهما أن يكون كما في قول القائل نصحته ونصحت له وشكرته وشكرت له وثانيهما أن يكون لبيان الأظهر أي يسبحون الله وقلوبهم لوجه الله خالصة
البحث الثاني قال ههنا سَبِّحِ بِحَمْدِ رَبّكَ ثم قال تعالى وَمِنَ الَّيْلِ فَسَبّحْهُ من غير باء فما الفرق بين الموضعين نقول الأمر في الموضعين واحد على قولنا التقدير سبح الله مقترناً بحمد ربك وذلك لأن سبح الله كقول القائل فسبحه غير أن المفعول لم يدكر أولاً لدلالة قوله بحمد ربك عليه وثانياً لدلالة ما سبق عليه لم يذكر بحمد ربك الجواب الثاني على قولنا سبح بمعنى صل يكون الأول أمراً بالصلاة والثاني أمراً بالتنزيه أي وصل بحمد ربك في الوقت وبالليل نزهه عما لا يليق وحينئذ يكون هذا إشارة إلى العمل والذكر والفكر فقوله سَبِّحِ إشارة إلى خير الأعمال وهو الصلاة وقوله بِحَمْدِ رَبّكَ إشارة إلى الذكر وقوله وَمِنَ الَّيْلِ فَسَبّحْهُ إشارة إلى خير الأعمال وهو الصلاة وقوله بِحَمْدِ رَبّكَ إشارة إلى الذكر وقوله وَمِنَ الَّيْلِ فَسَبّحْهُ إشارة إلى الفكر حين هدوا الأصواب وصفاء الباطن أي نزهه عن كل سوء بفكرك واعلم أنه لا يتصف إلا بصفات الكمال ونعوت الجلال وقوله تعالى وَأَدْبَارَ السُّجُودِ قد تقدم بعض ما يقال في تفسيره ووجه آخر هو أنه إشارة إلى الأمر بإدامة التسبيح فقوله بِحَمْدِ رَبّكَ قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ وَقَبْلَ الْغُرُوبِ وَمِنَ الَّيْلِ فَسَبّحْهُ إشارة إلى أوقات الصلاة وقوله وَأَدْبَارَ السُّجُودِ يعني بعدما فرغت من السجود وهو الصلاة فلا تترك تسبيح الله وتنزيهه بل داوم أدبار السجود ليكون جميع أوقاتك في التسبيح فيفيد فائدة قوله تعالى وَاذْكُر رَّبَّكَ إِذَا نَسِيتَ ( الكهف ٢٤ ) وقوله فَإِذَا فَرَغْتَ فَانصَبْ وَإِلَى رَبّكَ فَارْغَبْ ( الشرح ٧ ٨ ) وقرىء وَالرُّكَّعِ السُّجُودِ
البحث الثالث الفاء في قوله تعالى فَسَبّحْهُ ما وجهها نقول هي تفيد تأكيد الأمر بالتسبيح من الليل وذلك لأنه يتضمن الشرط كأنه يقول وأما من الليل فسبحه وذلك لأن الشرط يفيد أن عند وجوده يجب وجود الجزاء وكأنه تعالى يقول النهار محل الاشتغال وكثرة الشواغل فأما الليل فمحل السكون


الصفحة التالية
Icon