نقول الجواب عنه من وجوه الأول قد ذكرنا في بعض الوجوه أن تعلق الآية بما قبلها بيان قبح ما يفعله الكفرة من ترك ما خلقوا له وهذا مختص بالجن والإنس لأن الكفر في الجن أكثر والكافر منهم أكثر من المؤمن لما بينا أن المقصود بيان قبحهم وسوء صنيعهم الثاني هو أن النبي ( ﷺ ) كان مبعوثاً إلى الجن فلما قال وذكرهم ما يذكر به وهو كون الخلق للعبادة خص أمته بالذكر أي ذكر الجن والإنس الثالث أن عباد الأصنام كانوا يقولون بأن الله تعالى عظيم الشأن خلق الملائكة وجعلهم مقربين فهم يعبدون الله وخلقهم لعبادته ونحن لنزول درجتنا لا نصلح لعبادة الله فنعبد الملائكة وهم يعبدون الله فقال تعالى وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالإِنسَ إِلاَّ لِيَعْبُدُونِ ولم يذكر الملائكة لأن الأمر فيهم كان مسلماً بين القوم فذكر المتنازع فيه الرابع قيل الجن يتناول الملائكة لأن الجن أصله من الاستتار وهم مستترون عن الخلق وعلى هذا فتقديم الجن لدخول الملائكة فيهم وكونهم أكثر عبادة وأخصلها الخامس قال بعض الناس كلما ذكر الله الخلق كان فيه التقدير في الجرم والزمان قال تعالى خُلِقَ السَّمَاوَاتِ وَالاْرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا فِى سِتَّة ِ أَيَّامٍ ( الفرقان ٥٩ ) وقال تعالى خَلَقَ الاْرْضَ فِى يَوْمَيْنِ ( فصلت ٩ ) وقال خَلَقْتُ بِيَدَى َّ ( ص ٧٥ ) إلى غير ذلك وما لم يكن ذكره بلفظ الأمر قال تعالى إِنَّمَا أَمْرُهُ إِذَا أَرَادَ شَيْئاً أَن يَقُولَ لَهُ كُن فَيَكُونُ ( ي س ٨٢ ) وقال قُلِ الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبّى ( الإسراء ٨٥ ) وقال تعالى أَلاَ لَهُ الْخَلْقُ وَالاْمْرُ ( الأعراف ٥٤ ) والملائكة كالأرواح من عالم الأمر أوجدهم من غير مرور زمان فقوله وَمَا خَلَقْتُ إشارة إلى من هو من عالم الخلق فلا يدخل فيه الملائكة وهو باطل لقوله تعالى خَالِقُ كُلّ شَى ْء ( غافر ٦٢ ) فالملك من عالم الخلق
المسألة الثانية تقديم الجن على الإنس لأية حكمة نقول فيه وجوه الأول بعضها مر في المسألة الأولى الثاني هو أن العبادة سرية وجهرية وللسرية فضل على الجهرية لكن عبادة الجن سرية لا يدخلها الرياء العظيم وأما عبادة الإنس فيدخلها الرياء فإنه قد يعبد الله لأبناء جنسه وقد يعبد الله ليستخبر من الجن أو مخافة منهم ولا كذلك الجن
المسألة الثالثة فعل الله تعالى ليس لغرض وإلا لكان بالغرض مستكملاً وهو في نفسه كامل فكيف يفهم لأمر الله الغرض والعلة نقول المعتزلة تمسكوا به وقالوا أفعال الله تعالى لأغراض وبالغوا في الإنكار على منكري ذلك ونحن نقول فيه وجوه الأول أن التعليل لفظي ومعنوي واللفظي ما يطلق الناظر إليه اللفظ عليه وإن لم يكن له في الحقيقة مثاله إذا خرج ملك من بلاده ودخل بلاد العدو وكان في قلبه أن يتعب عسكر نفسه لا غير ففي المعنى المقصود ذلك وفي اللفظ لا يصح ولو قال هو أنا ما سافرت إلا لابتغاء أجر أو لأستفيد حسنة يقال هذا ليس بشيء ولا يصح عليه ولو قال قائل في مثل هذه الصورة خرج ليأخذ بلاد العدو وليرهبه لصدق فالتعليل اللفظي هو جعل المنفعة المعتبرة علة للفعل الذي فيه المنفعة يقال إتجر للربح وإن لم يكن في الحقيقة له إذا عرفت هذا فنقول الحقائق غير معلومة عند الناس والمفهوم من النصوص معانيها اللفظية لكن الشيء إذا كان فيه منفعة يصح التعليل بها لفظاً والنزاع في الحقيقة في اللفظ الثاني هو أن ذلك تقدير كالتمني والترجي في كلام الله تعالى وكأنه يقول العبادة عند الخلق شيء لو كان ذلك من أفعالكم لقلتم إنه لها كما قلنا في قوله تعالى لَّعَلَّهُ يَتَذَكَّرُ ( طه ٤٤ ) أي بحيث يصير تذكرة عندكم مرجواً وقوله عَسَى رَبُّكُمْ أَن يُهْلِكَ عَدُوَّكُمْ ( الأعراف ١٢٩ ) أي يصير إهلاكه عندكم مرجواً تقولون إنه قرب الثاني هو أن اللام قد تثبت فيما لا يصح غرضاً كما في الوقت قال تعالى أَقِمِ الصَّلَواة َ لِدُلُوكِ الشَّمْسِ


الصفحة التالية
Icon