رزق أو هل هم ممن يطلب منهم إصلاح قوت كالطباخ والخواني الذي يقرب الطعام وليسوا كذلك فما أُريد أن يطعمون فإذن هم عبيد من القسم الأول فينبغي أن لا يتركوا التعظيم وفيه لطائف نذكرها في مسائل
المسألة الأولى ما الفائدة في تكرار الإرادتين ومن لا يريد من أحد رزقاً لا يريد أن يطعمه نقول هو لما ذكرناه من قبل وهو أن السيد قد يطلب من العبد الكسب له وهو طلب الرزق منه وقد يكون للسيد مال وافر يستغني عن الكسب لكنه يطلب منه قضاء حوائجه بماله من المال وإحضار الطعام بين يديه من ماله فالسيد قال لا أُريد ذلك ولا هذا
المسألة الثانية لم قدم طلب الرزق على طلب الإطعام نقول ذلك من باب الارتقاء كقول القائل لا أطلب منك الإعانة ولا ممن هو أقوى ولا يعكس ويقل فلان يكرمه الأمراء بل السلاطين ولا يعكس فقال ههنا لا أطلب منكم رزقاً ولا ما هو دون ذلك وهو تقديم طعام بين يدي السيد فإن ذلك أمر كثير الطلب من العباد وإن كان الكسب لا يطلب منهم
المسألة الثالثة لو قال ما أريد منهم أن يرزقون وما أريد منهم من الطعام هل تحصل هذه الفائدة نقول على ما فصل لا وذلك لأن بالتكسب يطلب الغنى لا الفعل فإن اشتغل بشغل ولم يحصل له غنى لا يكون كمن حصل له غنى وإن لم يشتغل كالعبد المتكسب إذا ترك الشغل لحاجته ووجد مطلباً يرضى منه السيد إذا كان شغله التكسب وأما من يراد منه الفعل لذات الفعل كالجائع إذا بعث عبده لإحضار الطعام فاشتغل بأخذ المال من مطلب فربما لا يرضى به السيد فالمقصود من الرزق الغنى فلم يقل بلفظ الفعل والمقصود من الإطعام الفعل نفسه فذكر بلفظ الفعل ولم يقل وما أريد منهم من طعام هذا مع ما في اللفظين من الفصاحة والجزالة للتنويع
المسألة الرابعة إذا كان المعنى به ما ذكرت فما فائدة الإطعام وتخصيصه بالذكر مع أن المقصود عدم طلب فعل منهم غير التعظيم نقول لما عمم في المطلب الأول اكتفى بقوله مِن رّزْقِ فإنه يفيد العموم وأشار إلى التعظيم فذكر الإطعام وذلك لأن أدنى درجات الأفعال أن تستعين السيد بعبده أو جاريته في تهيئة أمر الطعام ونفي الأدنى يستتبعه نفي الأعلى بطريق الأولى فصار كأنه تعالى قال ما أريد منهم من عين ولا عمل
المسألة الخامسة على ما ذكرت لا تنحصر المطالب فيما ذكره لأن السيد قد يشتري لعبد لا لطلب عمل منه ولا لطلب رزق ولا للتعظيم بل تشتريه للتجارة والربح فيه نقول عموم قوله مَا أُرِيدُ مِنْهُم مّن رّزْقٍ يتناول ذلك فإن من اشترى عبداً ليتجر فيه فقد طلب منه رزقاً
المسألة السادسة ما أريد في العربية يفيد النفي في الحال والتخصيص بالذكر يوهم نفي ما عدا المذكور لكن الله تعالى لا يريد منهم رزقاً لا في الحال ولا في الاستقبال فلم لم يقل لا أريد منهم من رزق ولا أريد نقول ما للنفي في الحال ولا للنفي في الاستقبال فالقائل إذا قال فلان لا يفعل هذا الفعل وهو في الفعل لا يصدق لكنه إذا ترك مع فراغه من قوله يصدق القائل ولو قال ما يفعل لما صدق فيما ذكرنا من الصورة مثاله إذا كان الإنسان في الصلاة وقال قائل إنه ما يصلي فانظر إليه فإذا كان نظر إليه الناظر وقد قطع صلاة نفسه صح أن يقول إنك لا تصلي ولو قال القائل إنه ما يصلي في تلك الحالة لما صدق فإذا علمت هذا فكل واحد من اللفظين للنافية فيه خصوص لكن النفي في الحال أولى لأن المراد من الحال الدنيا والاستقبال هو في أمر الآخرة فالدنيا وأمورها كلها حالية فقوله مَا أُرِيدُ أي في هذه الحالة الراهنة التي هي ساعة الدنيا ومن المعلوم أن العبد بعد موته لا يصلح أن يطلب منه رزق أو عمل فكان قوله مَا أُرِيدُ مفيداً للنفي العام ولو قال لا أريد لما أفاد ذلك
إِنَّ اللَّهَ هُوَ الرَّزَّاقُ ذُو الْقُوَّة ِ الْمَتِينُ
ثم قال تعالى إِنَّ اللَّهَ هُوَ الرَّزَّاقُ ذُو الْقُوَّة ِ الْمَتِينُ تعليلاً لما تقدم من الأمرين فقوله هو الرزاق تعليل لعدم طلب الرزق وقوله تعالى ذُو الْقُوَّة ِ تعليل لعدم طلب العمل لأن من يطلب رزقاً يكون فقيراً محتاجاً ومن يطلب عملاً من غيره يكون عاجزاً لا قوة له فصار كأنه يقول ما أريد منهم من رزق فإني أنا الرزاق ولا عمل فإني قوي وفيه مباحث الأول قال مَا أُرِيدُ ولم يقل إني رزاق بل قال على الحكاية عن الغائب إِنَّ اللَّهَ فما الحكمة فيه نقول قد روي أن النبي ( ﷺ ) قرأ إِنّى أَنَاْ الرَّزَّاقُ على ما ذكرت وأما القراءة المشهورة ففيها وجوه الأول أن يكون المعنى قل يا محمد إِنَّ اللَّهَ هُوَ الرَّزَّاقُ الثاني أن يكون ذلك من باب الالتفات والرجوع من التكلم عن النفس إلى التكلم عن الغائب وفيه ههنا فائدة وهي أن اسم الله يفيد كونه رزاقاً وذلك لأن الإله بمعنى المعبود كما ذكرنا مراراً وتمسكنا بقوله تعالى وَيَذَرَكَ وَءالِهَتَكَ ( الأعراف ١٢٧ ) أي معبوديك وإذ كان الله هو المعبود ورزق العبد استعمله من غير الكسب إذ رزقه على السيد وههنا لما قال مَا خَلَقْتَ الْجِنَّ وَالإِنسَ إِلاَّ لِيَعْبُدُونِ فقد بيّن أنه استخلصهم لنفسه وعبادته وكان عليه رزقهم فقال تعالى إِنَّ اللَّهَ هُوَ الرَّزَّاقُ بلفظ الله الدال على كونه رزاقاً ولو قال إني أنا الرزاق لحصلت المناسبة التي ذكرت ولكن لا يحصل ما ذكرنا الثالث أن يكون قل مضمراً عند قوله تعالى مَا أُرِيدُ مِنْهُم تقديره قل يا محمد مَا أُرِيدُ مِنْهُم مّن رّزْقٍ فيكون بمعنى قوله قُلْ مَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ ( الفرقان ٥٧ ) ويكون على هذا قوله تعالى إِنَّ اللَّهَ هُوَ الرَّزَّاقُ من قول النبي ( ﷺ ) ولم يقل القوي بل قال ذُو الْقُوَّة ِ وذلك لأن المقصود تقرير ما تقدم من عدم إرادة الرزق وعدم الاستعانة بالغير ولكن في عدم طلب الرزق لا يكفي كون المستغني بحيث يرزق واحداً فإن كثيراً من الناس يرزق ولده وغيره ويسترزق والملك يرزق الجند ويسترزق فإذا كثر منه الرزق قل منه الطلب لأن المسترزق ممن يكثر الرزق لا يسترزق من رزقه فلم يكن ذلك المقصود يحصل له إلا بالمبالغة في وصف الرزق فقال الرَّزَّاقُ وأما ما يغني عن الاستعانة بالغير فدون ذلك وذلك لأن القوي إذا كان في غاية القوة يعين الغير فإذا كان دون ذلك لا يعين غيره ولا يستعين به وإذا كان دون ذلك يستعين استعانة ما وتتفاوت بعد ذلك ولما قال وَمَا أُرِيدُ أَن يُطْعِمُونِ كفاه بيان نفس القوة فقال ذُو الْقُوَّة ِ إفادة معنى القوة دون القوى لأن ذا لا يقال في الوصف اللازم البين فيقال في الآدمي ذو مال ومتمول وذو جمال وجميل وذو خلق حسن وخليق إلى غير ذلك مما لا يلزمه


الصفحة التالية
Icon