قوله تعالى
فَأَوْحَى إِلَى عَبْدِهِ مَآ أَوْحَى
فيه وجهان أحدهما أوحى إلى محمد ( ﷺ ) ما أوحاه إلى جبريل أي كلمه الله أنه وحي أو خلق فيه علماً ضرورياً ثانيهما أوحى إلى جبريل ما أوحى إلى محمد دليله الذي به يعرف أنه وحي فعلى هذا يمكن أن يقال ما مصدرية تقديره فأوحى إلى محمد ( ﷺ ) الإيحاء أي العلم بالإيحاء ليفرق بين الملك والجن
مَا كَذَبَ الْفُؤَادُ مَا رَأَى
فيه مسائل
المسألة الأولى الفؤاد فؤاد من نقول المشهور أنه فؤاد محمد ( ﷺ ) معناه أنه ما كذب فؤاده واللام لتعريف ما علم حاله لسبق ذكر محمد عليه الصلاة والسلام في قوله إِلَى عَبْدِهِ وفي قوله وَهُوَ بِالاْفُقِ الاْعْلَى ( النجم ٧ ) وقوله تعالى مَا ضَلَّ صَاحِبُكُمْ ( النجم ٢ ) ويحتمل أن يقال مَا كَذَبَ الْفُؤَادُ أي جنس الفؤاد لأن المكذب هو الوهم والخيال يقول كيف يرى الله أو كيف يرى جبريل مع أنه ألطف من الهوى والهواء لا يرى وكذلك يقول الوهم والخيال إن رأى ربه رأى في جهة ومكان وعلى هيئة والكل ينافي كون المرئي إلاهاً ولو رأى جبريل عليه السلام مع أنه صار على صورة دحية أو غيره فقد انقلبت حقيقته ولو جاز ذلك لارتفع الأمان عن المرئيات فنقول رؤية الله تعالى ورؤية جبريل عليه السلام على ما رآه محمد عليه الصلاة والسلام جائزة عند من له قلب فالفؤاد لا ينكر ذلك وإن كانت النفس المتوهمة والمتخيلة تنكره
المسألة الثانية ما معنى مَا كَذَبَ نقول فيه وجوه الوجه الأول ما قاله الزمخشري وهو أن قلبه لم يكذب وما قال إن ما رآه بصرك ليس بصحيح ولو قال فؤاده ذلك لكان كاذباً فيما قاله وهو قريب مما قاله المبرد حيث قال معناه صدق الفؤاد فيما رأى ( رأى ) شيئاً فصدق فيه الثاني قرىء مَا كَذَبَ الْفُؤَادُ بالتشديد ومعناه ما قال إن المرئي خيال لا حقيقة له الثالث هو أن هذا مقرر لما ذكرنا من أن محمداً ( ﷺ ) لما رأى جبريل عليه السلام خلق الله له علماً ضرورياً علم أنه ليس بخيال وليس هو على ما ذكرنا قصد الحق وتقديره ما جوّز أن يكون كاذباً وفي الوقوع وإرادة نفي الجواز كثير قال الله تعالى لاَ يَخْفَى عَلَى اللَّهِ مِنْهُمْ شَى ْء ( غافر ١٦ ) وقال لاَّ تُدْرِكُهُ الاْبْصَارُ ( الأنعام ١٠٣ ) وقال وَمَا رَبُّكَ بِغَافِلٍ ( النمل ٩٣ ) والكل لنفي الجواز بخلاف قوله تعالى لاَ نُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ ( يوسف ٥٦ ) لاَ نُضِيعُ أَجْرَ مَنْ أَحْسَنَ عَمَلاً وَلاَ يَغْفِرُ أَن يُشْرَكَ بِهِ ( النساء ٤٨ ) فإنه لنفي الوقوع
المسألة الثالثة الرائي في قوله مَا رَأَى هو الفؤاد أو البصر أو غيرهما نقول فيه وجوه الأول الفؤاد كأنه تعالى قال مَا كَذَبَ الْفُؤَادُ ما رآه الفؤاد أي لم يقل إنه جني أو شيطان بل تيقن أن ما رآه بفؤاده صدق صحيح الثاني البصر أي مَا كَذَبَ الْفُؤَادُ ما رآه البصر ولم يقل إن ما رآه البصر خيال الثالث ما كذب الفؤاد ما رأى محمد عليه الصلاة والسلام وهذا على قولنا الفؤاد للجنس ظاهر أي القلوب تشهد بصحة ما رآه محمد ( ﷺ ) ( من الرؤيا ) وإن كانت الأوهام لا تعترف بها
المسألة الرابعة ما المرئي في قوله مَا رَأَى نقول على الاختلاف السابق والذي يحتمل الكلام


الصفحة التالية
Icon