المسألة الثانية قال هناك وَكَانَ اللَّهُ عَلِيماً حَكِيماً ( الفتح ٤ ) وهنا وَكَانَ اللَّهُ عَزِيزاً حَكِيماً لأن قوله وَلِلَّهِ جُنُودُ السَّمَاوَاتِ وَالاْرْضَ ( الفتح ٤ ) قد بينا أن المقصود من ذكرهم الإشارة إلى شدة العذاب فذكر العزة كما قال تعالى أَلَيْسَ اللَّهُ بِعَزِيزٍ ذِى انتِقَامٍ ( الزمر ٣٧ ) وقال تعالى فَأَخَذْنَاهُمْ أَخْذَ عِزِيزٍ مُّقْتَدِرٍ ( القمر ٤٢ ) وقال تعالى الْعَزِيزُ الْجَبَّارُ
المسألة الثالثة ذكر جنود السماوات والأرض قبل إدخال المؤمنين الجنة وذكرهم ههنا بعد ذكر تعذيب الكفار وإعداد جنهم نقول فيه ترتيب حسن لأن الله تعالى ينزل جنود الرحمة فيدخل المؤمنين مكرمين معظمين الجنة ثم يلبسهم خلع الكرامة بقوله وَيُكَفّرَ عَنْهُمْ سَيّئَاتِهِمْ ( الفتح ٥ ) كما بينا ثم تكون لهم القربى والزلفى بقوله وَكَانَ ذَلِكَ عِندَ اللَّهِ فَوْزاً عَظِيماً وبعد حصول القرب والعندية لا تبقى واسطة الجنود فالجنود في الرحمة أولاً ينزلون ويقربون آخراً وأما في الكافر فيغضب عليه أولاً فيبعد ويطرد إلى البلاد النائية عن ناحية الرحمة وهي جهنم ويسلط عليهم ملائكة العذاب وهم جنود الله كما قال تعالى عَلَيْهَا مَلَئِكَة ٌ غِلاَظٌ شِدَادٌ لاَّ يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ ( التحريم ٦ ) ولذلك ذكر جنود الرحمة أولاً والقربة بقوله عند الله آخراً وقال ههنا غَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ وَلَعَنَهُمُ وهو الإبعاد أولاً وجنود السماوات والأرض آخراً
إِنَّآ أَرْسَلْنَاكَ شَاهِداً وَمُبَشِّراً وَنَذِيراً لِّتُؤْمِنُواْ بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَتُعَزِّرُوهُ وَتُوَقِّرُوهُ وَتُسَبِّحُوهُ بُكْرَة ً وَأَصِيلاً
قال المفسرون شَاهِداً على أمتك بما يفعلون كما قال تعالى وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيدًا ( البقرة ١٤٣ ) والأولى أن يقال إن الله تعالى قال إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ شَاهِداً وعليه يشهد أنه لا إلاه إلا الله كما قال تعالى شَهِدَ اللَّهُ أَنَّهُ لا إله إِلاَّ هُوَ وَالْمَلَائِكَة ُ وَأُوْلُواْ الْعِلْمِ ( آل عمران ١٨ ) وهم الأنبياء عليهم السلام الذين آتاهم الله علماً من عنده وعلمهم ما لم يكونوا يعلمون ولذلك قال تعالى فَاعْلَمْ أَنَّهُ لاَ إله إِلائَ اللَّهِ ( محمد ١٩ ) أي فاشهد وقوله وَمُبَشّراً لمن قبل شهادته وعمل بها ويوافقه فيها وَنَذِيرًا لمن رد شهادته ويخالفه فيها ثم بيّن فائدة الإرسال على الوجه الذي ذكره فقال لّتُؤْمِنُواْ بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَتُعَزّرُوهُ وَتُوَقّرُوهُ وَتُسَبّحُوهُ بُكْرَة ً وَأَصِيلاً وهذا يحتمل وجهين أحدهما أن تكون الأمور الأربعة المذكورة مرتبة على الأمور المذكورة من قبل فقوله لّتُؤْمِنُواْ بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ مرتب على قوله إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ لأن كونه مرسلاً من الله يقتضي أن يؤمن المكلف بالله والمرسل وبالمرسل وقوله شَاهِداً يقتضي أن يعزر الله ويقوي دينه لأن قوله شَاهِداً على ما بينا معناه أنه يشهد أنه لا إلاه إلا هو فدينه هو الحق وأحق ن يتبع وقوله مُبَشّرًا يقتضي أن يوقر الله لأن تعظيم الله عنده على شبه تعظيم الله إياه وقوله نَذِيراً يقتضي أن ينزه عن السوء والفحشاء مخافة عذابه الأليم وعقابه الشديد وأصل الإرسال مرتب على أصل الإيمان ووصف الرسول يترتب عليه وصف المؤمن وثانيهما أن يكون كل واحد مقتضياً للأمور الأربعة فكونه مرسلاً يقتضي أن يؤمن المكلف بالله ورسوله


الصفحة التالية
Icon